وللمخزن مداخل عدة
ومدخل الليلة
النظر من خلال ثقب أسود
قراءة بقلم شيخ النقاد العرب
المنظر الأول والأهم للقصة القصيرة جدا
الأستاذ / أحمد طنطاوي...ahmed tantawy
.............
المعالجة ألشبحية فى قصة المخزن للأستاذ محمد البنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مخزن النفايات هو مكان التناسى و ذكرياتنا المحروقة...
فى الحياة هو الجانب الآخر من منتصف الليل , و الشوارع الخلفية المتوارية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
القصة :
ــــــــــــــــــــــ
مقدمة\ وسط \ نهاية
خط صاعد الى الذروة و خط هابط الى النهاية ( لحظة التنوير الكاشقة )
كما وضع أسسها "موباسان" و سار عليها كل كتاب القصة من بعده
ثمة فصل رياضى بين الأجزاء الثلاثة
حتى يمكن تحديد أن المقدمة هى هذه السطور و هذا هو الوسط و هذه هى الخاتمة
فما الأمر و القص الحديث يحاول تجاوز تلك القاعدة ؟
و يمكن أن يتعامل مع القصة القصيرة بنمط سردى جديد يخالف هذه الكتل و مراكز الثقل بشكلها المعتاد
و ينظر _ كقصيدة النثر _ الى النص فى إطاره الكلى
و ليس المجزأ المقطَّع ,
و يمكن مثلاأن تتلألأ لحظة التنوير
فى النص كله لكن تعلو بطريقة الكريشندو فى الموسيقى من الصوت الخافت إلى الأكثر علوًا حتى الضخامة
فتكون كحياة الجنين الموجود حتى قبل الولادة بشكل ما , و لا يظهر فجأة
و هكذا الأمر بالنسبة للذروة أو قمة الحدث التى يمكن أن تشمل النص كله من أوله إلى آخره
و هذه القصة تنتمى لهذا الشكل الحديث فنيًا و تقنيًا و بقدر الشعرية المتضمَّنَة فى ثناياها
........................
ثمة حركة هنا فى إهاب السكون و الموت
"إلى هنا ينتهى المشهد، ليعاد مراتٍ ومرات
فلا هو صب الماء الساخن في الكوب، ولا أنا تمكنت من مد يدي لأتناوله"
و
حاول كثيرًا أن يملأ الكوب ، وحاولت جاهدًا أن أرفع يدي ، ودائمًا نفشل لنبدأ من جديد "
ها هنا مكمن الدائرة و جِماع الأمر كله
إنها دائرة المستحيل ما بين الإقدام و المنع , و التقدم و الإحباط و الفشل ,
العزيمة و الإرادة و سحابات الانكسار,
دورات الحياة و سيرها الجدلى المتصل رغمًا عنا فى شكل حتمى متصل ,
و كأنها تلك القصة التى تستعيد نفسها مع آخرين كأسطوانة خالدة دائمة الدوران مع راكب آخر و بائع آخر و بأسماء أخرى ,
فالنص هو قصة الحياة و الموت اعتيادًا ,
و النص اعتمد دلالتى القطار و المخزن فى تقابل لافت بين( الحركة\الحياة ) و( السكون \المقبرة )بصمته اللازم و عتمته
ــــــــــــــــــ
النص يحيلنا إلى ما يشبه المسرح الأسود
بملامحه التشكيلية
فى اتخاذه " بُعدًا جماليًا وتعبيريًا مُختلفًا . مثلاً، الكُتلة المُعلَّقة في فراغ المسرح المُظلِم بامتدادها الحركي، تتحوَّل إلى خَطّ، والخَطّ يتحوَّل إلى دائرة . وقد تتبدَّل صِفات ذلك الخَطّ وسُرعة حركته " .
(المسرح الأسود / محسن النصار)
مجلة الفنون المسرحية
و هذا ما رأيناه بالنسبة لبائع الشاى بامتياز
الشبحية و الفنتازيا المأساوية تخيم على المكان
فى جموع الركاب الذين يماثلون التماثيل الشمعية
" بينما الرجل الذي يجاوره لا يزال يجاوره، وآخرون جالسون في مقاعدهم كأنهم موتى "
الصمت التام الغارق فيه المشهد إلا من إشارة هى نقطة ضوء فقط وسط ظلام هذا ( المسرح المجلل بالسواد )بسؤال بائع الشاى عن كمية السكر المطلوبة
و كأنها أصداء تأتى من عالم آخر جنائزى
ما يؤكد بشدة اعتماد القصة الحديثةعلى الشعرية ومساهمات التقنيات البصرية
فى رسم عوالمها الثرية
ـــــــــــــــــــــــ
النص ذكرنى على الفور بقصة " إدجار آلان بو "
( (مخطوطة وجدت فى قنينة
عما كتبه راكب فى سفينة غامضة أعرقتها موجة أسطورية عاتية قبل أن تهوى فى القاع بالجميع ,
فأنا أراها أيضًا قصة مكتوبة فى مخطوطة رآها يومًا أحد المارة بعد سنوات طويلة...
تحكى قصة راكب فى قطار مع بائع شاى فى مخزن كان يومًا ما ها هنا.
احمد طنطاوي...١٨ أغسطس ٢٠٢٠
......... ....
النص
.......
قصة للأستاذ Mohamed Elbanna،
وتصميم م.زنوبيا الأسدي
--------------------------------------
المخـــزن
لا يزال عم عبده يحمل بيده براد الماء المغلي، وعلى كتفه صينيةً معدنية تحتضن عددًا من الأكواب البلاستيكية، يقطع المسافة بين مدخل العربة ومقعدي في سرعةٍ خاطفة، استوقفه بإشارةٍ من يدي، ألمح تنهيدة ارتياح تحفر طريقها في آخاديد وجهه، وهو يزيح بكتفه الآخر الرجل الذي يجاوره، ويُفسحُ لصينيته مكانًا
- سكرك إيه يا بيه ؟
لم أكلف نفسي عناء تحريك شفتيّ، وأكتفيت بإنفراجةٍ بين أصبعيّ .
إلى هنا ينتهى المشهد، ليعاد مراتٍ ومرات، فلا هو صب الماء الساخن في الكوب، ولا أنا تمكنت من مد يدي لأتناوله، وقتئذ بالطبع لم أكن أعرف اسمه، فما كان إلا بائعًا للشاي، يدلف للقطار عندما يتوقف لدقائق في محطة بني سويف، ويغادره عندما يتوقف لدقيقتين في محطة الواسطى، وهو أيضًا لم يكن يعرفني، بل ولم يكن ليهتم بمعرفتي، فما أنا في معتقده البسيط إلا زبونًا أرسله الله له بما قدّره من رزق، ولكن تلازمنا الطويل نسبيًا في تأدية ذلك المشهد، ألقى بظلال الألفة بيننا، حاول كثيرًا أن يملأ الكوب ، وحاولت جاهدًا أن أرفع يدي ، ودائمًا نفشل لنبدأ من جديد، بينما الرجل الذي يجاوره لا يزال يجاوره، وآخرون جالسون في مقاعدهم كأنهم موتى، والعربة المهشمة من أثر الإنفجار، لا تزال مُلقاة في مخزنٍ للنفايات .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق