قراءة: بعنون قصّة قصيرة لا ترضى بقراءة واحدة للقصّة القصيرة "ملك الجياع" للدكتور مختار أمين
========
==========
"ملك الجياع.. "
ملك الجياع.. قصة قصيرة: بقلم مختار أمين
25 جوان 2019
ملك الجياع
كنت نائما..
قالت لي زوجتي رقم ألف: ـ اغسل فمك قبلا.
بقرت بطنها على الفور..
أخرجت زوجاتي الصغار منها، هممّت اغسل كل واحدة بعناية، وامسح من على أجسادهن ما علق من وسخ بطنها..
جمعتهن على فراشي العظيم، ينظرن إليّ ثم يضحكن في خجل طفولي..
جامعتهن مرة واحدة في ليلة واحدة.. عدن شابات يافعات، كل منهن لا تفارق مرآتها الكبيرة.. تتغزل خلسة بجمال أنوثتها وتضحك..
في الصباح ملأن قصري بالأطفال، أمرت ببقر بطونهم جميعا..
نهضت مفزوعا جائعا..
========
===========
القراءة الأولى: 25جوان 2019
شعوب تساق من بطونها....
يغتصب حلمها !...
قصّة ذات بعد فلسفي اجتماعي نفسي وسياسي ورموز و دلالات....بدءا من الحلم الذي يُعتبر في حدّ ذاته أيقونة دلاليّة حاملة لرموز عدّة ....
قصّة تضمر أكثر ممّا تظهر مخاتلة المعنى زئبقيّة الحرف، تحمل همّ شعوب داؤها في معدتها وبطونها..
أو ليست المعدة بيت الدّاء والحمية أصل الدّواء؟..
أو لسنا شعوبا شهرياريّة ....المزاج ؟.. والقرار !..متهوّرة...لا تحتكم إلى العقل! ...ولا تتحمّل المسؤوليّات.!..أفواهها نتنة !...بفعل اللّغو وهتك الأعراض! ....وأكل الحرام !..وقول الزّور!.. وكلام الفجور !.. والشّتم والسّباب !..
فالبطون كما هي حاوية للأطعمة فهي حاوية للقذارة و كما تحمل بالشّرعي ابن الحلال... تحمل بابن السفاح ....وبابن الزنى ...
أو لم نبدع في البحث عن المتعة واللّهاث وراء التّغيير؟... إلى درجة هتك المحارم !.. والشّذوذ! ...
أو ليس الحلم عُزوة لغير المقتدر!...
إنّ المشهد يلخّص همّ و معاناة شعوب، تتخبّط في الوحل من الرأس إلى أخمس القدم ...
الجوع، والنّهم، والمتعة، وطلب المستحيل، ورفس النّعم، والتّوق إلى المحرّم، هو مقصدها... شعارها عدم تحمّل المسؤوليّة ...و سحق القويّ للضّعيف ...تاجها الاختلاف ...شهريار يعتزّ بجنسه ويرى فيه شرعيّة اعتدائه على الجنس المقابل...مرجعه (واضربوهن...) (واهجروهن....).
وما لم نتمكن من انجازه في الوعي، نبحث عنه وننجزه في لا وعينا ...في الحلم، في عالم البرزخ.... خارج الزّمن وحدود المعقول ...في اللّامعقول ... مع التّذكير بأنّ الإنسان عند الحلم يحتفظ ببعض الوعي الذي يمكّنه من السّيطرة على حدود المكان الذي يمكّنه من عدم السّقوط من الفراش مثلا وأيضا يستيقظ في الميعاد ...وبالمرّة يستمتع بما توفّر ....باعتبار أنّه غير مسؤول عن ذلك الوضع البرزخي .....أي أنّه معفى من الحساب ....والعقاب ....
وهذا ما أسماه الدكتور Ahmed Tantawy في إحدى مقالاته الصّادرة سنة 2019 ب"الوعي النّصفي ..."
إن عمليّة عقر البطن ناجمة عن شعور البطل في النّص, أنّه كان يشعر بالجوع، وبما أنّ المعيشة صارت ضنكا فرأى أن يعقرها حتى يتخلّص من الأسر ...أو ليست الدّول العربيّة تساق من بطونها ... إلى الذلّ والهوانة و قبول الإمضاء على عقود والالتزامات خارج الالتزامات ....
عندما نُحكم من طرف أنظمة تدّعي الاسلاموية، وتنتخب بالأغلبيّة وتمضي صبيحة انتخابها على وثيقة تشرّع للمثليّة!.. في حين أن من رُمي بانخراطه في الماسونية، عندما أمضى على نفس الوثيقة في الستّينات، استثنى الاعتراف بشرعيّة المثليّة !..
كاتب تشرّب مشاكل عصره، فصاغها في بعض أسطر، همّه أن نشاركه حمل العبئء عنه، لنتحمّل معه مسؤوليّة الكتابة في شأن أضناه وأرهقه.. علّنا نستطيع عدديّا زلزلة هذا التكلّس الذي أعمى بصائرنا ...تكلّسا ساقنا إلى الهاوية لهثا وراء رغبات، نتجاهلها، نقتلها، ننكرها في الظّاهر وتمزّقنا وتغتصبنا في الحلم ....
نصّ يعتبر إبداعيّا، باعتبار أنّ الكاتب نجح في تمرير المتعة في إعمال العقل، والإفادة والاستفادة في نفس الوقت... والتخلّص من بعض التكلّس الذي أصاب العقول ،جرّاء اجترار المستهلك منذ عقود ....هذا إلى جانب تناغم اللّفظ مع الدّال والمدلول ...والظاهر والمضمر ..والمفهوم والمبهم ... ...نصّ مشاكس لا يرضى بقراءة واحدة ....مفتوح الاحتمالات ...يرتقي إلى العالميّة بالكونيّة ...تجاوز المكان والزّمان ....أبعاده بانوراميّة ....جاء في لغة بسيطة مرمّزة ...ذات تقنيّة عاليّة في المشهديّة.. يحمل رؤى ..واستبصار ..عميق...وبليغ ...
مشوّق... حيث الحبكة على درجة عالية تكشف حرفيّة و اتقان وجودة وتعتّق .... حيث الذّروة باهرة وصادمة ...
========
===========
القراءة الثانية: 18/08/2020
تتميّز هذه القصّة بعنوانها الصّادم، كشعاع نور يظهر فجأة لأهل كهف ظلّوا طريق الخروج، تجهرهم رؤية الضّياء بعد عتمة شديدة تعوّدوا عليها طيلة قبوعهم في قبوهم ..
عنوان مستفزّ مبهر، له وقع بانورامي:🐶
فهو في الذّهن منتج لصور، ومشاهد يكثّفها الخيال و التّخييل تارة، وقد تأخذنا إلى عهود في الزّمن الغابر و ربّما حتى القريب، في الهنا والهناك، لعلّ أهمّها،الحقبة التّاريخيّة التي اتّصفت بها فترة حكم المستنصر بالله الفاطمي التي يعبّر عنها بعضهم ب"الشدّة اامستنصريّة "
*وفي الأذن له موسيقى وإيقاع يترك صدى ملفت للانتباه، يعمد إلى تشريك المتلقّي، في اللّعبة السّرديّة منذ البداية عنوة، بتحويل وجهته رغما عن إرادته، وكأنّي بالكاتب أراد أن يستأثر بنا، ويضعنا في الأسر، ويدخلنا زنزانة الوعي الوجودي القصري، قبل البداية... لإعمال العقل وإرغامه على التوقّف متعمّدا تحفيز فضوله، عبر تكثيف المعنى و توليده بالتّصادم بالجمع بين متناقضين في التّصنيف الطّبقي، و الملمح والطّبع والتطبّع، والعدد والرّغبات والآفاق والأهداف والرّؤيا.. للوقوف والتوقّف عند باب الملك الجائر كما في القصّة أو الحائر كما المستنصر، من ناحية وبباب رعيّة جياع، من ناحية أخرى، للبحث في الأسباب والمسّببات التي أدّت إلى المجاعة لدرسها وتحليلها من باب الموضوعيّة لأخذ العبرة والموعضة والاستنتاج، والتّدبر استشرافا قبل فوات الأوان للتّصدّي لكلّ ما قد يؤدّي إلى نتيجة الجوع الحتميّة...
وكأنّي به يشير إلى مشروع بناء جسر "النّهضة" الأثيوبي، الذي سيجعل كلّ من السّودان ومصر تحت رحمة أثيوبيا، التي ستصير تتحكّم في صنبور ماء النّيل.. وما سيترتّب عن ذلك من نقص في منسوب الماء، وقد تَلحق أضرارا بالفلاحة، مما يؤدّي إلى هجر الفلاحين لأراضيهم، فتعمّ الفوضى، وتكتضّ المدن بالنّازحين، الذين قد يتحوّلون بفعل الحاجة الملحّة لتوفير ما يسدّ الرّمق، إلى قطّاع طُرق بسبب الجوع الكافر...
وقد يلحق البلدان عطش غير مسبوق، و قد ينفجر السدّ بفعل قوّة التيّار فيحدث فيضان طوفان تسونامي، قد يُغرق السّودان ويسحقها ويمحوها من الخارطة وربّما بعضا من أقاليم مصر....
فالملك صاحب نفوذ و قرار يتمتّع بسلطة لا محدودة، نهم شره لا يشبع ..قد يصل به الأمر أن يتعامل، مع رعيّته الجياع، كما يتعامل مع البقر والخرفان والمواشي، وهي صفات من صفات الملوك النّواقص، صفة من صفات الإنسان النّاقص الذي قد يدفع بالرّعيّة إلى التّطاحن ومن ثمّ بالحاشية إلى التّدافع، من أجل الوشاية و النّميمة...من أجل نيل مناصب عبر مكائد تحاك لاعتلاء كرسي وزارة أو نيل رتبة مدير ديوان أو قضاء أو مفتيا وغيره ...
الوشاية والنّميمة عمل خسيس مدنّس، يهوي بصاحبه إلى الحضيض فيلتحق بقائمة، آكلي لحوم البشر، وفي هذا يقول تعالى
"أيحبّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميّتا فكرهتموه ".
وكأنّي به يلمّح لا للإنسان النّاقص فحسب، من جهة موقع السّيادة والرّيادة، من ناحية ملك انتجت فترة حكمه تنامي الجوع، حتى باتت صفة تتّصف بها فترة حكمه، ليصير بذلك "ملكا للجياع"، يُبقر البطون يُبقر كلّ من يخالفه الرأي، بل قد يحيلنا هذا المعنى إلى غياب مفهوم العدل والعدالة، كعامل مساعد على انتشار قانون الغاب والبحر، وغطرسة، لملك جائر و قد يتزامن في معظم الأحيان مع قحط جراء شحّ مطر كردّة فعل، كعقوبة يسلطها ربّ السّماء، على أهل الأرض، ليطهّرهم من فسقهم، علّهم يثوبون إلى رشدهم، ويوقفون الكفر، والعهر،والقهر، والظّلم والاستبداد والطّغيان في حقّ العباد...
أو نتيجة لانحباس ماء، بفعل ملك جائر كان بالأمس القريب مملوكا من الجياع، استخدم كبيدق، لتنفيذ مشروع مدعوم بملك لقيط أكثر جورا نصّب نفسه راع رعاة بقر ونعاج، منحه تغطية دوليّة بحجّة الحفاظ وحسن التصرّف في المائدة المائيّة لتحقيق نهضة نوعيّة....
كلمة حقّ أريد بها باطل ، لسحق تاريخ شعب دوّخ العالم بأهراماته، وبحسن تصرّف أهله في سنين عجاف، بفضل يوسف الذي كلّفه ربّ العباد، فأحسن التّصرّف في إدارة شؤون الأزمة في سبع سنين عجاف، لأصعب فترة قحط من تاريخ مصر القديمة، وقد ذُكرت هاته الحقبة في القرآن لتكون درسا وعبرة للنّاس في كلّ مكان وزمان ...و للإنذار باحتمالية عودة نتيجة صيرورة زمن دائري محكوم بحتميّة جريان شمس لا مستقر لها وحركة أرض وكواكب تابعة خاضعة، لجريان الشّمس التي تؤثر في منسوب الماء، وتغيّر المناخ بفعل حركة التبخّر والضّغط وهي حركة لا مستقر لها لأجل مقدّر ومحسوب.. محسوب بمقدار، خالق كلّ شيء فالق الحبّ والنّوى ..
وأيضا، هي إشارة أيقونيّة، ودلالة للإنسان النّاقص، من ناحية الطّرف المقابل للملك، من جانب الرّعيّة الجياع، فهناك تلميح للإنسان النّاقص، المضروب بسيف الخنوع و القهر، المستسلم لقدره، الرّاضخ للعبوديّة، والكسل، المحكوم، برغبة من صنف آخر، رغبة أوّليّة بدائيّة حيوانيّة، يغلب عليها التملّق، والإغراء، والتّبعيّة المخضّبة بالدّم، الملطّخة بالعهر وببيع الذّمّة والشّرف، والتّواكل والاقتتاة على الفتاة، والاكتفاء بما يمنحه له ولي أمره، بشكل يضمن به بقاءه، في الصّنف مخافة بطشه -من أن تُبقَر بطنه كما حصل للزّوجة في القصّة، عندما طلبت من زوجها الملك أن يغسل فمه "ـ اغسل فمك قبلا." فكان من الملك أن بقر بطنها "بقرت بطنها على الفور.."-
كي يبقى في خدمته مدى حياته، ليستمرّ مع فرعه في خدمة فرعونه، من دون إعمال للعقل ولا للفكر.. مزطول راض مغيّب، مشلول الإدراك بالعزة، و عن عهد أمجاد جدوده الأوّلين ...
أمّا إذا ما تجاسر، ولم يلتزم بحدوده، وصدّق نفسه بأنّه فعلا مستشار يستشار، ليدلي برأيه عند اقتضاء الحال، بحكم خطّته لتقييم ظلم، أو تقويم سلوك أنتَج مظلمة ، فإنّه حتما سيلقى حتفه -ومصير أبطال القصّة المتجمّعين على السّرير ..
ولا يلومنّ إلّا نفسه، إذا كان السّلطان جائرا طبعا كبُوبَالة في تونس" "مراد الثّالث باي " في زمن الرّداءة لأنّه حتما سيؤوّلها ، تطاولا وتدخّلا في شؤونه، ولن يعتبر الموقف شهامة أتى من باب النّصح الصّادق لخيرِ المُلك والمَلِك والرّعيّةِ والبِلاد ليسطيب العيش للجميع لأجل أن يطّهر الجميع بطيب الفعل والقول..فتطيب رائحة الأفواه وتتطهّر البطون فيكثر الصّالحون ويختفي المجرمون ..
وقد تكرّر في النّص معنى البقْر، لكي يبرهن القاصّ بأنّ في غياب الدّيموقراطية والأخلاق،لن يكبر أمام المستبدّ أحد لا كبير ولا صغير، لا زوجة ولا جارية، ولا رعيّة...ذلك أنّ همّه كيف يُرهب الكلّ بنفوذه، لذلك يسارع بضرب الحديد سخنا ليتأدّب الكلّ وليضلوا عبرة لكلّ من خوّلت له نفسه اتباعهم ليلقوا مصير البقَرِ في النّحر والبقْر...
لذلك، نرى أغلب الحاشية يعمدون إلى التّقرّب إلى السّلاطين، عبر تقديم خدمات ترتكز بالأساس على زعزعة ثقته بنفسه، بزرع بذرة الخوف لديه، لبثّ الرّعب فيه أي السّلطان لإرباكه - أي الملك النّاقص - لجعله بيدقا يحتكم بأحكامهم لذلك نراهم يتفنّنون في حياكة ، الإشاعات كإيهامه بأنّ بعضهم يترصّدون به، ويحاولون انتزاع سلطانه، فيخوّنون هذا للإطاحة به، وذاك لإبعاده من أمامهم، ليخلو لهم الفضاء لنيل مبتغاهم، لذلك تنشط الوشايات من هنا وهناك - كما حصل "لسليمان القانوني" الذي وصل به الأمر إلى الإذن بقتل ابنه البارّ أمام عينيه- فتنمو الدّسائس والنّميمة وتُرصّع بمعسول الكلام كالمديح، كمديح المتنبّي للاخشيدي. وفي المقابل، يحرص سموّ الملك، على إشباع رغبات الحاشية والرّعية،بمقدار ، من دون إفراط ولا تفريط حتى لا يجلب لنفسه المتاعب - بناءً على شريعة فلسفة ماكيافيلي - ، ذلك أنّ شدّة التّجويع أو كثرة الإشباع قد تؤدّي حتما إلى التمرّد وتنمّي الطّموح والتّطاول لدى البعض منالرّعيّة، ليضمن عدم تماهيهم به، كذلك الحرمان هو الآخر قد يكسر القيود، ويجلب الثّورة ويغذّي النّقمة والعصيان، فمرحلة البين بين، تضمن استمرار حكمه واستبداده وتفرّده بالسّيف والقوّة.
إنّ نيل الحظوة واعتلاء "مرتبة الحاشية"، تفترض "كريزما"،لا يتمتّع بها إلّا من لديهم موهبة كيفيّة التقرّب من أصحاب النّفوذ. لنيل رضاهم ..بشتى الطّرق ...
وقد اتخذ من السّرير دلالة على رخص أصحاب هاته الخاصيّة، الذين يذهبون إلى أبعد الحدود ..
ولنا في التّاريخ في عهد المماليك أمثلة كما الوزراء من أصل عبيد أثناء الخلافة التّركيّة ...
قصّة ملك الجياع، جاءت كدعوة للتبصّر، والتّهيّؤ للتّأمّل، عبر دربة على التأمّل، للتدبّر في واقع مجتمعات، انحسرت رؤيتهم عند الرّغبة البدائيّة، رغبة الإنسان الأوّل، رغبة البقاء لتدبير لقمة العيش، لملإ البطون، للعيش وللتّكاثر، همّها نيل إرضاء نَهمِ متجبّر يتمتّع بالسّلطة والتسلّط انسلخ عن آدميّته... أقتنعوا وقبلوا به ورضخوا لعنجهيته الوقحة...بل وأيّدوه تزلّفا...
لقد حاول الدكتور مختار أمين، زلزلة القارئ، من أجل إحداث وعي جديد، وعي يساعد على فهم الواقع، وهضمه بطريقة إعادة تركيبه بصورة، ترتكز على الرّمز والصّورة من خلال مشهديّة كاركاتوريّة دراميّة سرياليّة، لزعزعة المشهديّة النّمطيّة المقابلة، النّاقلة للخبر من على ساحة الميدان، التي بالرّغم من فضاعتها، باتت مألوفة لدى المشاهد، لا تحرّك المشاعر ولا السّواكن في الهنا كما في الهناك... في الدّاخل كما في الخارج، نتيجة تبلّد في المشاعر ... وتحجّر دمع في المقل من فرط ما نقلته الشّاشات من صور ..
قصّة قصيرة واقعة بين مقامين: بقامة القصّة القصيرة جدّا من حيث الاختزال والحذف وشدّة الإيقاع وشاعريّة النّص وبلاغة العبارة .. .
و قامة القصّة القصيرة من حيث بناء العقدة وتناميها وتشعّبها في وحدة الحدث إلى بلوغ الذّروة بعد احتدام الصّراع، لجعله مرئيّا بطلا ظاهرا جليّا يطلّ من عليائه، كملك متوّج لا يقبل بدور ثانوي، ثم دفعه إلى التّقهقر في سلاسة إتقان الصّنعة لأديب مدرك لتقنيات فنّ القصّة القصيرة وكلّ عناصرها الرئيسيّة بدءا من الشّخصيّة إلى الحدث، والبيئة، وجمالية اللّغة، والوصف، والسّرد، والقيل والقال ، من دون إفلات لخيوط نسيج الحبكة، لبلوغ لحظة التّنوير لنكتشف فعل اللّهفة والجوع التي تسكن الملك، ومن ورائه لبعض النّفوس البشريّة الضّعيفة التي ضيّعت خطوتها في حضور عنجهيّة السّلطة والتكبّّر على الخلق ، الذي استيقظ من مرقده، جزعا فزعا فبدى كالفرعون الذي يبحث عن مفسّر كيوسف ليفسّر أحلامه ...
بقصد جذب الرّائي واغرائه بغمزة لمشاغبته ليسكنه النصّ ويوقظ مضجعه للبحث عن شبيه له في الأدب والمحيط والتّاريخ...
قصة" قصيرة كموجة " على حدّ تعريف الأستاذ أحمد طنطاوي Ahmed Tantawy للقصّة القصيرة، في مقارنتها مع القصّة القصيرة جدّا التي اعتبرها غرفة الماء..
سهيلة بن حسين حرم حماد
الزّهراء/ سوسة في 18/ 08/ 2020
========
===========
شهادة الأستاذ الجليل الفلسوف شيخ السّرد والرأي الرّصين المشهود له بالحكمة والرّصانة في التقييم والرأي السديد بتاريخ 21/08/2020
للأستاذة ســـــــــهيلة Souheyla Hammed كناقدة جناحين
تحلق بهما عند معالجتها لأى نص :
الإحاطة أفقيًا , و النفاذ رأسيًا ...
أنا أحســـــــــبها تضع النص نصب عينيها على طاولة التأمل
الزمانــــى و المكانى و اللغوى معبأ بكل الخلفيات الممكنة
تاريخيًا و اجتماعيًا لتحقق بانورامية الرؤية و شــــــــــــموليتها
و كليتها اتســـــــــاعًا , كما انها على المستوى الثانى _ حيث
لا تكتفى بما حققته _ تعود ثانيــة لتتناول النص من جديد
بشــــــكل آخر تركيزى مدقق للنقاط , بصورة تراعى البؤرية
و التدقيق العدسى .
منهجها إذن فى التّناول هو منهج يحاول التكاملـــــــــــــــية ,
و يطمح لتجميع الدوائر و الأجزاء , و كما أن الجراحــــــــــــين
يختلفون فيما بينــهم فى طرق تعاملهم مع الحالات فى
غرفة العمليات , فكذلك النقاد أيضًا يختلفون فى طرائق
التناول ...
و أنا من هذه الجهة أحييها جدًا فى تشريحها النصى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق