الخميس، 24 سبتمبر 2020

حينما يتم فتح النوافذ المغلقة على مصراعيها قراءة خاصة بقلم / كنانة عيسى لنص" باب مفتوح ونوافذ مفلقة" للقاصة / أمل البنا

حينما يتم فتح النوافذ المغلقة على مصراعيها
قراءة خاصة
بقلم / كنانة عيسى
لنص" باب مفتوح ونوافذ مفلقة"
للقاصة / أمل البنا
.............
وهل يمكن لقاصة فذة مثل الأديبة أمل البنا ألا تفتح عوالم الريبة والشك والتقريع لظلم الحياة وقسوتها ؟في نص قوطي بامتياز تفتّح عن مخزون القلق المتوارث فينا وانعكاساته على الروح و وجوديتها ، ومن ثم استقصاءَ يقين لا نصله بسطوة الحواس إنما بتماه غير علني لصراع الظاهر والباطن
لملهاة الحب بين رجل وامرأة يرقصان فيما يشبه الحياة لينجوا من العدم والفناء. وتنثبر في أذهاننا تلك الأسئلة الكثيرة، من الميت ومن الذي ما زال حيًا؟ هل هي قصة أشباح عنيدة لا سكون لآلامها وأنينها؟ أم هو التعلق بأنقاض من نخشى فقدناهم بفقدان ما يحبون؟ إنه ذلك السبر الفذ لعالم ما ورائيات الطبيعة الذي يخلق إضاءة حول ملامح شخصيات استثنائية لا تنسى.
تبدأ الكاتبة الاستهلال بخلق مشهدية متأزمة تبنيها الأفعال الماضية المرسومة بدقة متناهية لخلق هامش زمني محدد، (خلته ينهض من جواري)، (ظل متسمرا مكانه) (كان الظلام حالكا)
وينبثق الحوار المدهش بين كائنين ندرك من تفرد شخصياتهما ، دفق العاطفة المنسكبة بعذوبة وغموض فهما ذكر وأنثى،. لعلهما زوجان أو حبيبان . فهما يشدان القارئ بجدلهما العشقي . نحن في لهفة لاستحواذ مصير مجهول سيرفع من قدر وجودهما الضبابي بكل تفاصيله كتبصر سوداوي، أو كنبوءة أسطورية تشدنا نحن إلى عالم محفوف بالخوف واليقظة
فهو الذي لا (يجيد الاعتذار ) يأتي ويرحل كل يوم، بحذائه ذي الساق الطويلة، ويغمرها بالشوق والحب والجدل المحبب،. ويسألها عن أحوالها(أرجو ألا يشغلك الحزن عن أحوالك) ،. يذكرها بما تحب من موسيقى عزفها لها قبلًا، ويصغي إلى حكاياتها وهواجسها و أوهامها بصبر العارف الحاني، بل ويؤنبها بمنطق الصابر على ما تغير بحالها ( يالشعركِ الأشعث) .. ،فهو المرشد في الظلام، وهو المصغي بود ورأفة، وهو السند حتى في غرائبية حضوره و وعيه النوراني ، ينير دربها في الظلام برفق ، ويرصد جنونها بقدسية ويفتح لها الأبواب التي أغلقتها دموية الحروب بالموت والعجز ، معتنيًا بروحها الجريحة بجلالٍ واسترسالٍ، كأنها آلهة قديمة وليست امرأة مجنونة خذلتها الحياة حزنا وفقدًا. .
و تتواشج علاقة الحب هذه مع إسقاط مجتمعي لآلام الحروب ونقمتها كما نرى من مشهدية المكان المدمر.
ّ فنرى وضوحًا مفاجئًا في وعي الساردة ونقاءً عقليًا آنيا يفسر الحاضر بجزءٍ من الماضي ، نرى تلك الأنوثة الرقيقة في هيئة الحب، وهيئة الأمومة وهيئة التذرع الوجداني بفهم ماهية موت الطفل (خالد ) التراجيدي الطقسي والذي يرمز لموت الأمل وقتل المستقبل

قالوا أنهم عثروا على رفات طفل وفى قدميه حذاء رجل

أتَذَكَّر العناق والقبلات التى أمطر زوجى وجهى بها فى تلك الليلة التى سبقت الغارة الجوية على بلدتنا.

ثم تربط الكاتبة الشخصيتين الأساسيتين بحوار فلسفي حول قتل الهررة غرضه تجريم الدائرة الإنسانية الأكثر اتساعا، لم تقتلُ المرأة التي تشرق بالحب وتعشق الموسيقى القطط الصغيرة؟ كيف
يمكن لمنطق (الزيادات المفرطة) أن يكون مبررا إنسانيًا لقتل براءة الطفولة؟ . الحوار السردي هنا هو اتهام ضمني لمبرر الحروب الدامية التي تنجو من المحاكمة بمنطق الجلاد لا الضحية
نعم. كائنات تتكاثر وتعيش
_ مثلك
. ولخلق مفارقة في السرد، جعلت الكاتبة شخصية فادية المفجوعة هي من تتبنى رؤية ( الأقوى هو من يمتلك النهايات)

قد نظن لوهلة أننا أمام نص قصصي رشيق لفيرجينيا ولف، أو أمام نكهة روائية سوداوية شيقة كأسلوب الروائية البريطانية السباقة في الأدب القوطي ماري شيلي، أو حتى مثل فيلم (الحاسة السادسة) النفسي الشهير للمخرج نايت شايميلان، حيث ينفصم المتوفى عن هوية وجوده في الواقع كشبح، يعجز عن ادراك حقيقة وجوده الرمزي المؤقت في الحياة. لكننا أمام إبداع كاتبة خلابة صنعت شخصية فادية بتأن وتناقض ودعة.
فهي تلك الشخصية الغامضة التي تحتمل الكثير من التأويل والرفض و الهلع والنقمة. سقوطها التراجيدي أمام حياتها وسط أنقاض بيت مهجور، متفاقمة بحزن الفقدان لدرجة الإنكار و التوهم. منتصبة كأيقونة نمطية لنصوص الأدب القروسطي ، الذي يتبجح بتضاد العناصر
بهمجية ورعونة مثل الذكورة والأنوثة، الحب والحرب، الموت والحياة. وكما أننا لن ننسى شخصية الشاعر فرجيل في الكوميديا الإلهية، أو شخصية الليدي ماكبث. فإننا لن ننسى شخصية فادية التي فقدت انتمائها العقلي أمام موت ابنها (خالد) الطفل الصغير وزوجها الحبيب لتفتح كل النوافذ المغلقة إلى فضاءات عقلها المضطرب هروبًا من ظلمة واقع قهري صادم.
إبداع مذهل.
دام مداد الكاتبة الرائعة أمل البنا.
كنانة عيسى..٢٢ سبتمبر٢٠٢٠.....kinana eissa
...............
النص
......
بابٌ مفتوح ونوافذ مغلقة
فى لحظات خِلته ينهض من جوارى. ظل متسمراً مكانه لحظات.. كان الظلام حائلاً لأن يدرك أننى قد انتبهت إليه، غير أنه فاجأنى بقوله: سأرحل الآن
_.. فى هذا الوقت من الليل!!.. هل تَعدنى بالعودة سريعاً؟
_ ربما تجديننى غداً جالساً فوق المقعد الخشبى بين الشجرتين
_ أنا أمقت تلك اللعبة التى تجيدها فى إظهار مهارات البزوغ والاختباء كيفما تريد.. لمَ لاتنتفض لآلامى وتنتشل الفراغ من قلبى. بل لمَ لم تعد الحياة كسابق عهدها، وتعزف كما حدث بالماضى فى الحجرة المجاورة ألحاننا
_ شوبرت.. كنتِ تفضلين سماعه
_..ربما كانت هناك الكثير من الألحان التى لم تُعيدها على أذنى، والتى لم يبق منها سوى أصداءٌ تملأ البيت والغرفة وحشة
_ ياللشيطان!، ياللشيطان!، لمَ تنسين أنكِ قد بعتِ أثاث تلك الغرفة وأغلقتها إلى الأبد؟!
_ كذب، فأنا لم أغلقها إلا خشية انهيار الجدار المتصدع بها
_ سأمضى الآن، فياله من حديث قبل الرحيل
_ حسناً.لا تغضب أرجوك، دعنى على الأقل أودعك وأمضى معك إلى الباب
_ الظلام حالك ولا أثر للضوء كما تعرفين
_ دعنى أبسط يدى وأصل إليك، فربما يساعدنى هذا لاحتمال لحظات انتظارى لك
_ ..هل لديكِ كشافٌ أو شمعةٌ نضيئها؟
_ لا. دعنى أتعلق بكتفك..هكذا، ونرحل ونحن نتلمس الأشياء و نتجاوز العثرات تحت أقدامنا
_ ما تقومين به لهو عملٍ جنونى .
_ وكيف ترانا الآن؟!، وقد يظن من يسمعنا أننا شبحان يتناجيان، وربما يتواعدان فى ليلة باردة لا قمر بها
_ كيفما تريدين.. يالشعركِ الأشعث !!
_ ها قد بدأت سخريتك منى
_ لا، أقسم لكِ، غير أن جدائلك جافة ويبدو أنكِ لم تمشطيها منذ فترة طويلة
_ تعلم أن الماء مقطوع، وأنه من الصعب الحصول حتى على القليل منه، وقد أخبرتك بهذا من قبل غير أنك دائما تُجيد استفزازى
_ حقا. فالدهشة والظلام أحياناً تنسيانكِ الملاحظات المكررة
_.. نحن نجتاز باب الحجرة الآن.. أتَذَكَّر العناق والقبلات التى أمطر زوجى وجهى بها فى تلك الليلة التى سبقت الغارة الجوية على بلدتنا.. كنتُ على يقين بأن هناك شيئاً ما سوف يحدث، وأننا نقتنص لحظات قد لا يهبها القدر مرة أخرى.
_ أوه !!، قدمى
_ ماذا بكَ ؟
_ يبدو أننى قد وطأت شيئاً مكسوراً
_ معذرة، فقد أهملتُ في جمع بعض الأشياء المحطمة.. هل ما زالت تؤلمك ؟
_ التَوتْ قليلاً، غير أننى يمكننى مواصلة السير
_ أتذكر خالد ابن السيدة فادية الذى حضرنا عقيقته منذ سبعة أعوام ؟
_ نعم.
_ قالوا أنهم عثروا على رفات طفل وفى قدميه حذاء رجل
_ أكان هو ؟
_ ربما، فقد كان محباً لكل متعلقات والده رحِمةُ الله.
_ ياللمسكين.. أرجو أن لا تشغلكِ الأحزان عن أحوالك
_ أمسك يدى جيداً
_ ماذا هناك ؟
_ يبدو أن ماء المطر تسرب مجدداً من السقف، وقدمى قد غاصت فى بركةٍ منه، ألا تشعر بها ؟
_ ربما لأننى أرتدى حذاء برقبةٍ طويلة
_ حتى وإن كنت تلبس حذاءً يحميك، فإن صوت الماء واضح وكان عليكَ أن تنبهنى
_ يشغلنى الحديث معكِ أكثر من أى شىء آخر
_ حتى وإن كنتُ أتعرض للخطر ؟!
_ اقبلى عذرى ولا تلومينى، فأنا لا أُجيدُ حقاً الاعتذار ..
_ ..المطر يأتى رغماً عن طائراتهم التى قصفت محطات المياه. يريدون قتلنا، و رغم هذا تجود السماء بالماء وتوزعه على الأرض من جديد. ياللقطة الملعونة !!
_ ماذا جرى ؟
_ أصابت قدمى وهى تقفز بعيداً عن بركة المياه تلك.
_ هل تأذيتِ ؟
_ قليلاً. فربما قد بَدَأَتْ تتحين الفرص لتنتقم منى
_ تنتقم منكِ !، لماذا ؟
_ لأننى ألقيت بصغارها يوماً. لم أحتمل كل هذا العدد وهذا الضجيج، فأخذت بإلتقاطهم وهم يتشبثون بأظافرهم الناعمة بالوسادة، وألقيت بهم من النافذة، بينما كانت تنظر لى بعين الأم الحاقدة التى غيبت عنها أولادها إلى الأبد؛ لتموء إلى جوار تلك النافذة لأسابيع وكأنها تنتظر أن يستجيبوا لصوتها
_ يالقسوتكِ !
_ كيف أشرح لكَ هذا ؟، فأنا لا أحتمل الزيادات المفرطة فى أى شىء
_ وهل كانوا أشياءً ؟!
_ بالنسبة لى. فهل هذا يريحك .؟
_ إنها مخلوقات أليفة
_ نعم. كائنات تتكاثر وتعيش
_ مثلك !!
_ ماذا تعنى بتلك المقارنة ؟
_أزعجتكِ، كما أزعجتكِ أصواتهم وأعدادهم التى قد تتضاعف بعد ذلك ؟
_ نعم .
_ ألا ترين أنكِ قد عاديتِ الطبيعة وقانونها وقمتِ بدور من بيده أمر كل شىء
_ قطة واحدة كان لا بأس بها. ثم أننى إنسانة لها أفكارها الخاصة التى قد تخطىء.
_ هل كنتِ ستسعين إلى تكرار هذا إذا ما أنجبت قطتك مرة أخرى ؟
_ .. ربما
_ ليست هذه بإجابة واضحة
_ .. نعم كنتُ سأكرر هذا
_ رغم أنكِ تعترفين بأنه قد يكون خطأً
_ أجل، فقد أخبرتك أننى لا أحتمل الزيادات والإفراط فى أى شىء
_ وهل هذا يُعد مبررا ًلأن يقضى عِرقٌ بشرى على آخر، إذا كانت تلك الفكرة هى السائدة
_ الأمر هنا يختلف، وأنتَ تعلم أنه يختلف تماماً
_ ليس كثيراً، فالأقوى فى كلا الحالتين هو من يملك النهايات. غير أن الإنسان يمكنه الدفاع عن نفسه، وربما يجد من يطالبون بحمايته، بل حتى قد يجد من يقتص له . بينما هذه القطة البائسة، كنتِ أنتِ الشاهدة الوحيدة على نياط قلبها الممزقة، فليس هناك من يدافع عنها، أو حتى قد يقاضيكِ على قتل صغارها .
_.. يبدو أنك تكرهنى الآن.. أشعر بهذا رغم الظلام الذى يمحو كل شىء
_ ليس لى أن أكرهك.. يبدو أننا قد وصلنا الباب
_ إنه يعاند الفتح دوماً معى
_ دعى الأمر لى.. ها ، قد فُتح
_ حتى فى الظلام تمتلك قدراتٍ خاصة
_ ليست كما تظنين .
_ أمسك يدى جيدا، وعدنى أنك ستسرع بالعودة إلىَّ
_ اعتنى بنفسك جيداً يا فادية ...
تُراقب الفضاء اللانهائى. بينما قذائف الطائرات تُلقى ظلالاً فوق الأطلال حوالها
امل البنا.

L’image contient peut-être : 1 personne
L’image contient peut-être : 1 personne, gros plan

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق