الجمعة، 4 سبتمبر 2020

عكاسات مضيئة قراءة في نص " رائحة العشب " للقاص / محمد البنا بقلم الأديبة المغربية / رجاء بقالي

 انعكاسات مضيئة

قراءة في نص " رائحة العشب " للقاص / محمد البنا
بقلم الأديبة المغربية / رجاء بقالي
...............
نص مشهدي لافت..
كأنه مونولوج تخلص من إرث شكسبيري يحتفي باللاجدوى و راح يناجي البعد المشرق النوراني للإنسان بصيغة الجمع و ضمير الغائب، دلالة على ضبابية الأمل و شبحية العابرين في سفر الوجود التي جسدتها لحظة فارقة في وعي فلاح بسيط ، لحظة اصطدامه بسؤال وجودي مزلزل يتردد أصداء في سمعه وهو يمسك بعصاه يشق بها الأرض لتنساب المياه سواقي تبعث الحياة من قلب الموت :
أما ارتويت؟؟
إنه سؤال الدهشة ، سؤال الصدمة يجلجل في قلب مشهد كوني لعلاقة الإنسان بالأرض في بكارتها،..
سؤال يتفجر أسئلة فلسفية إزاء قدر وجودي إغريقي ، تتحول معه لمسات العصا، تلك الريشة السحرية التي رسمت الكون في تمثل الوعي الإنساني مسارات و سواقي، تتحول إلى ضربات قدر مفزعة في سمفونية كون بيتهوفينية عبثية ينتفض على اثرها البطل العالق في أرضه، في منطقة البين بين، بين الجذب و الارتواء، ينتفض و يقف لينخرط في طابور الأشباح الذين توالوا على مسرح الحياة، يقف لا يمسك بشئ سوى كونه شبحا عابرا في كومة عابري الوجود القادمين من بعيد إلى البعيد ..
صدمة الوعي ازاء سؤال مرعب:
أما ارتويت؟
سؤال تتفجر منه أسئلة كبرى :
و ماذا بعد؟؟
هذا التنبه الفلسفي في وعي فلاح بسيط يشكل مفارقة مثيرة استسلمت بجمال و عمق إلى روح التناغم، في قراءة محلقة أحالت الأشباح إلى طيوف تتوهج نورا، في مسار حياة نسجت اول خيوطه أنامل إنسان رسمت الكون ظلالا خضراء على لوحة من تراب و ماء ..
النص المشهدي تبدو قوته في نهايته، فيقظة وعي البطل المشدود إلى أرضه هي لحظة ذعر بدائي، إزاء ضبابية رحلة الحياة و طابعها المضني ..
ذعر بدائي رسمته القراءة المحلقة فكرا و حدسا، كلحظة تجلٍ ستغير مفردات الرحلة و تقلب المفاهيم لتصبح الاشباح كائنات روحية تنشد الخلاص ، و اليها يعود البطل محمَلا بهاجس الانعتاق أملا ..
برداء صوفي إذن، تنتصر الروح تحلق من مركز دائرة الوجود العبثية صانعة من النهاية بداية .
رجاء بقالي..١سبتمبر ٢٠٢٠.........ragae bekkali
.........
النص
...........
رائحة العشب
...................
عقد جلبابه ضامًا أطرافه إلى خصره النحيل، انحنى على حافة القناة مُحدثًا فجوةً في الجسر الممتد بطولها؛ اندفع الماء متلهفًا لإرواء الأرض العطشى.
جلس على حافة الجسر، أمسك بعصا صغيرة وغمس طرفها في المياه المتدفقة؛ هكذا كان يرى أباه يفعل.. ألف عامٍ مضت ولا شيء تغيّر، رائحة العشب، نقيق الضفادع، خرير الماء، خضرة الأرض وزرقة السماء، وأشباحٌ تمضي في ظلمة الليل القادم، صوب أشباحٍ منتصبة حيث ينتهي البصر.
لا يدري كم من الوقت مضى، حين طرق صوتها أبواب أذنيه برقة " كفى ماءً، لقد ارتويت "، ردم الفجوة وانتصب واقفًا، فك عقدة الجلباب، وأخذته خطاه المتسارعة متخطيًا بضع قنوات، ليلتحق بطابور الأشباح.
..........
محمد البنا...ديسمبر ٢٠١٢
L’image contient peut-être : nourriture
L’image contient peut-être : 1 personne, assis

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق