للمخزن عدة مداخل..هذا أحدها
.......
قراءة في قصة المخزن للكاتب/Mohamed Elbanna
بقلم الأستاذة / أم صباح صباح
لماذا المخزن تحديدًا؟ ما هى دلالة الاسم في النص؟ عندما يقع في سمعك كلمة مخزن يتبادر إلي ذهنك بشكل تلقائي، بضاعة متكدسة تخرج عند الحاجة اليها فقط، وتظل في الظلام والإهمال دون ذلك، فكيف لو طبقنا هذا المعيار على الإنسان؟
إن تدبرنا هذا النص نكتشف عن شغف الكاتب بالمكان، وتأسيسه كرحم حاضن لتشعب الحدث، وتأسيس للحظة سردية، وإفراغ حمولته وتوظيفه في هذه الدلالة، والتصوير المشهدي لتلك اللحظة، كأن الراوي ينظر من خلال كاميرا للقطة، المشهد فيها ثابت
"لم أكلف نفسى عناء تحريك شفتىّ، واكتفيت بانفراجةٍ بين أصبعىّ."
وكأنه يريد من القارئ الغوص وراء هذا المشهد المعاد، ليؤكد لها فيما بعد لم لا يملك أن يديره، فهو بهذا يريد أن يهيئ القارئ إلى مايؤول إليه الحدث، وفي نفس الوقت لا يريد أن يفقده الشغف باللحظة، ويتعامل مع الراوي ككائن حي،
وكذلك ليمده بطاقة تلهمه للتغلغل إلى ما وراء المكان، والتقاط الطارئ الجديد في السلوك، وعلاقة الراوي بالحدث والمكان، وليرى الواقع الحياتي للفقراء من خلال عم عبده العجوز، والذي يحمل صينية، فتدمج في الحكي حتى تنتظم الحبكة تبعًا للعرض التسلسلي الاعتيادي لها، لتتفاجأ أنك كنت تستمع لروح بثتك كل مكنونها، وتركتك مع الواقع الفظ المحيط، تعاني ويلات الحيوات وغبن الواقع المرير، والنتائج الكارثية للاهمال.
نص فانتازي وخيالي قصير مكثف وغرائبي بامتياز، وظّف كل حرف في مكانه، بحيث يجرّك من نقطة إلى نقطة، فتبلغ نهاية السرد بكل سهولة وانثيال.
أميمة الحسن ..١٧ أغسطس ٢٠٢٠
...........
قصة " المخزن " ل محمد البنا
تصميم الغلاف ل م.زنوبيا الأسدي
--------------------------------------
لا يزال عم عبده يحمل بيده براد الماء المغلي، وعلى كتفه صينيةً معدنية تحتضن عددًا من الأكواب البلاستيكية، يقطع المسافة بين مدخل العربة ومقعدي في سرعةٍ خاطفة، استوقفه بإشارةٍ من يدي، ألمح تنهيدة ارتياح تحفر طريقها في آخاديد وجهه، وهو يزيح بكتفه الآخر الرجل الذي يجاوره، ويُفسحُ لصينيته مكانًا
- سكرك إيه يا بيه ؟
لم أكلف نفسي عناء تحريك شفتيّ، وأكتفيت بإنفراجةٍ بين أصبعيّ .
إلى هنا ينتهى المشهد، ليعاد مراتٍ ومرات، فلا هو صب الماء الساخن في الكوب، ولا أنا تمكنت من مد يدي لأتناوله، وقتئذ بالطبع لم أكن أعرف اسمه، فما كان إلا بائعًا للشاي، يدلف للقطار عندما يتوقف لدقائق في محطة بني سويف، ويغادره عندما يتوقف لدقيقتين في محطة الواسطى، وهو أيضًا لم يكن يعرفني، بل ولم يكن ليهتم بمعرفتي، فما أنا في معتقده البسيط إلا زبونًا أرسله الله له بما قدّره من رزق، ولكن تلازمنا الطويل نسبيًا في تأدية ذلك المشهد، ألقى بظلال الألفة بيننا، حاول كثيرًا أن يملأ الكوب ، وحاولت جاهدًا أن أرفع يدي ، ودائمًا نفشل لنبدأ من جديد، بينما الرجل الذي يجاوره لا يزال يجاوره، وآخرون جالسون في مقاعدهم كأنهم موتى، والعربة المهشمة من أثر الإنفجار، لا تزال مُلقاة في مخزنٍ للنفايات .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق