الثلاثاء، 20 أكتوبر 2020

حسن نصر شاعرا من خلال ديوانه " أعياد الفصول " ديوان تمرد على ألسنة اللهب وهو رحيل على وقع نشيد الحرية- قراءة الكاتبة ريم العيساوي

 حسن نصر شاعرا من خلال ديوانه " أعياد الفصول " ديوان تمرد على ألسنة اللهب وهو رحيل على وقع نشيد الحرية- قراءة الكاتبة ريم العيساوي

عرفنا الكاتب حسن نصر قاصا وروائيا وهما وجهان متلازمان. وقلّ من يعرفه شاعرا، لهذا ارتأيت الكشف عن شاعريّته وموقعها ضمن مساره الإبداعيّ الشّامل ،من خلال ديوانه " أعياد الفصول " الصّادر في طبعته الأولى سنة 2013 م ، عن الدّار التونسية للكتاب والّذي يضمّ130صفحة ،وثلاثا وثمانين قصيدة متفاوتة في الطول: (قصائد ومضات
من 5 أسطر شعرية إلى 10، وقصائد أخرى متوسّطة الطول . وأطول قصيدة هي قصيدة : "( المنارة ) تعدّ 190 بيتا ص 104 .
كما ألحق الكاتب بديوانه ثلاثة نصوص نثرية وهي شارعنا الكبير )ص31، نص مكثّف يصف فيه شارع الحبيب بورقيبة ومظاهر الحياة والجمال والتقاء كلّ الشرائح الاجتماعية فيه موثّقا لأهم حدث وقع فيه وهي ثورة 14 جانفي
ونص الطريق إلى شنقيط ص 55-56 ) نص مكثّف الشّعرية ، عميق الرمزية يرسم فيه رحلة صحراوية غنية بالصور الشعرية والحركة والإيحاءات .
ونص عربة الحرية ص 117-118) سرد فيه قصة البوعزيزي بتفاصيلها وعناصرها الأسلوبية مستبشرا فيه بالحرية .
وإن تأخّر نشر هذا الديوان وعرف مؤلفه تردّدا في طبعه فهو علامة مضيئة وإضافة لتجربة الكاتب الإبداعية الجديرة بالقراءة والدّرس بما تضمّنته من عناصر جمالية ساهمت في إثراء مسيرته وتعميقها .هذا وقد قدّم حسن نصر ديوانه بتمهيد عنونه ب " كلمة " واصفا فيه قصائده بالقول هي :
" انفعالات تعبيرات ، ومضات خاطفة تمرّ بي ، بدأت معي منذ أيام الشباب وبقيت معي تعود وتختفي أتغافل عنها زمنا كأنها لم تكن ، ثمّ أعود أكتبها ، حتى أنّني في مرة وأنا أقف لأتلف ما تجمّع لدي ّمن مسودات ، تناولتها وكدتأقذف بهافي لهيب النار ، لكنّي تراجعت " ص 7
ولولااستعادة كاتبها الوعي بوحدة الأجناس التعبيرية والتماهي بين فنون القول لما رأى الديوان النور .كما كان وعي الكاتب حسن نصر بالوظيفة الشعرية في الغوص في جوهر الإنسان وعلاقته بالوجود ، حصنا منيعا حال دون حريق مملكة شعره وعكس إيمانه برسالة الفن وهي "تعرية الحياة وكشف أسرارها والغوص في أدقّ خلجات النفس وتناقضاتها".
ما أشدّ قساوة وقوف شاعر أمام جبروت اللّه في لحظات التردّد لمحو صفحات من حياته ،فلذات روحه وبنات فكره ودرر خياله ،إنّه لحظة متأرجحة بين البقاء والفناء جسّدها صاحبها بقوله:" كما تولد الحياة من قرارة الكهوف والصمت ولدت هذه النصوص من غفلة النسيان والترك " ص 8
وما أقسى لحظة إفناء الذّات والحياة ! وما أروع لحظة اعتكافنا على حروفنا لنفخ الروح فيها ! هكذا تمرّد ديوان حسن نصر على ألسنة اللّهب وانفلت ليستقيم دوحة وارفة من جنى الشعر.
فالديوان تجربة استمرّت عبر سنوات عمر الكاتب ( امتدت من سنة1956- 1957-1958- 1959- 1960 - 1961-1962 - 1964 – 1968- 1969- 1973 –1975 -1979 - 1984 - 1996- 2011 -إلىسنة .2013
تمتدّ القصائد من فترة الاستقلال إلى ما بعد ثورة 14 جانفي .
القراءة :رحيل على وقع نشيد الحرية
تنوعت المضامين الشّعرية في ديوان "أعياد الفصول" ومنها( الحب الإشادةبالعمل . البعد. الغربة . التغني بجمال الطبيعة ومواسم الأعياد بها . الأمومة .حالة الانتظار.علاقة السّياسة بالدّين .الطفولة .لحظة الإلهام الوحدة– البحر – الصحراء ..الخ) فقد ضمّ هذا الديوان قصائد عديدة ومتنوعة بمضامينها الوطنية،والوجدانية ،والقصائد الاجتماعية ،بيد أن الرؤية العامة في هذا الدّيوان تتألّف من بعدين أساسيين هما: البعد الوطني والبعد العاطفي،وهما يمتزجان معاً امتزاجاً عضويا ًبارعاً ؛الأمر الّذي ضمن لهما درجة عالية من النضج والعمق والتكامل.
و هما المضمونان الأساسيان ، قطبان يتراوحان بين معاني الرحلة ونشدان الحرية ، ومن خلالهما تبوح القصائد بوظيفة الشّعر ألا وهي رحلة المبدع إلى عالم الانعتاق والحرية وممّا جاء في الإهداء-وهو أول عتبةنصية-فيالديوان :" إلى كلّ من أحبته نفسي / وكلّ من أحبّ/ حرية الاختيار .." ص 5
كماورد في كلمة المقدّمة."إنّها مواصلة للسّير على وقع كلمات الحرية "ص8
من معاني الرحلة :تدور جلّ القصائد في فلك الرحيل وتستند على معجمها اللّساني و حقوله .و من معجم الرحيل على سبيل المثال لا الحصر : ( القطار – يصفر – أزيز – يطوي –يعبر – أرحل – شراع – مراكب –تذكرة- غياب – محطة – رصيف الخ)
وليس اعتباطا أن يستهلّ الشّاعر ديوانه بقصيدة " يمرّ القطار " :{وإذ يصفّر القطارمن بعيد /وأسمع أزيزه /ثمّ يمرّ مسرعا / يطوي المدى ويعبر / ألتفت بالنظر تجاهه أشيّع / أحسّه لمن أحبّ يهرع / أحسّ قلبي يخفق /يكاد من مكانه يقتلع / أحسّني مع القطار أرحل ."} ص 9
إنّها رحلة الوعي بتجربة الحياة وضرورة مواكبتها في سيرورتها، وهي رحلة بلا حدود ولا قيود وكثيرا ما تكون بلا عودة .
وتتجلّى رحلة الشّاعر في أبهى معانيها وأجلّها في سبيل البحث عن الحرية الموعودة وقد نحت صورتها السّاحرة متجلية في مظاهر الطبيعة : ( قصيدة شراع ص 17)ومنها: " لعينيك أحكي عن الريح / تداعب شعرك / تهزّشراع المراكب / عن اللقلق الأبيض / يحلّق فوق مياه القنال / والقصور تطلّ بأبراجها / من قديم الزّمان / على ال" البوسفور " / وعلى القرن الذهبيّ / وأبحث عنك /فألقاك عنّي بعيدة / أنت يا حريّتي الموعودة . "إسطنبول 1984
إنّ المعاني الشّعرية المتّصلة بالرحيل تنبع من تأمّلات الشّاعر الفاحصة لحركة المسافرين ونقل أدقّ التفاصيل الرامية لتلك الأبعاد الوجودية والاجتماعية لمسألة الرحيل ،وهي رصد لعلاقة الإنسان بالمكان وما تبديه من تناقضات وتتكاتف حواس الشّاعر لرسم الرحلة في أدقّ تفاصيلها صورة الحياة في ذروة تصاعدها وعند نقطة سكونها .هي صورة إيقاع الحياة بين الحركة والسّكون . صورة معبرة عن حتمية الفناء وتتجلّى هذه الفكرة في قصيد " في المحطة " الذي يختمه قائلا :" حفاوة ومحفل / والأرجل تستبق / كأنّ مهرجانا بالحياة ينبض ./ ومن جديد يبدأ القطار / يستعدّ للقيام / ويطلق صفارة الرحيل ، يرحل ./ تبقى المحطة خالية / كراسي فارغة / والريح فيها تخفق / " ص21
وللقطار مكانة في نفس الشّاعر ،لأنّه صلة الوصل بينه والحبيبة:{ وليت إذا ما هاج قلبي / لذكرها /ذهبت إليها عاشقا / لأزورها / فيحملني ركب القطار لدارها / أرى الأرض تطوى لي / ويدني بعيدها } .
وفي إطار هذا المعنى يؤكّد حسن نصر ظمأ الإنسان للحياة وللحبّ، وهذا الظمأ لاينتهي إلاّ مع الموت :" قصيدة عطش" :(لنترتوي حتى الموت/
لآخر قطرة في الماء /لآخر رشفة في الحبّ / لن ترتوي لآخر كأس / ويزداد بك العطش ) ص 22 .
ولحضور القطار في الديوان أبعاد كثيرة و اقترانه باللّيل والمطر لا يخلو من دلالة ..إنّ محطة القطار تحتلّ أهمية محورية في الديوان وهي الفضاء الأثير الّذي تتحرّك فيه القصيدة وليس تكراره في صدر كلّ بيت في قصيدة
( على رصيف المحطّة ص 27) اعتباطيا فهو بمثاية الإيقاع المتناغم وإبراز دلالات المكان ورمزيته وخاصة في اقتران المكان بحضور الحبيبة ، فيتخلّص المكان من دلالته المادية الجغرافية ويصبح منبعا للأحاسيس الإنسانية والذكريات، وتصبح المحطّة هي البداية والنهاية والشّاعر في رحلته بين قطبيها يعيش حالة انتشاء وهيام ووجد وتصبح المحطة موطن التأمل ومنبع الإلهام :
قصيدة: ( على رصيف المحطة ) ص 29"
(ومن بحار المحطّة * شربت ما قد كفاني
وكلّ ما في المحطة *وفي يدي ولساني
سينتهي للمحطة * لكلّ شيء أوان )
وفي علاقة الشّاعر بالمحطة يتغنّى بعمال السّكة الحديدية ويفخر بسعيهم ويشيد برسالتهم في فتحهم لدروب الحياةوتمهيدهم الأرض للإنسان :" يفتحون دروب الأمل / يمهدون الأرض للإنسان / لمصالحة أخيه الإنسان " ص35
وإن تبوح بعض القصائد بفكر إيديولوجي معيّن فهي لاتخفي البعد الوجودي للسّفر كما جاء في الشّعر العربي القديم .
إنّ الرحلة في ديوان ( أعياد الفصول )تواصل في الزمان وفي المكان مع الإنسان للوصول إلى جوهر الوجود ألا وهو الحياة الحرّة .وتتّضح غاية رحلة الإنسان في الكون من خلال قصيدة ( عبر المدى ص 89) والتي يوثّق فيها أول رحلة بحرية له ،يستهلّها ب ( انشر شراعك للسفر / عبر المدارات البعيدة / للبحار / ويختمها ب ( وارسم لنفسك ما ترى / مستقبلا ،فكرا به تتقدم / وتكون حرا ) .
التوق إلى الحرية :
تكشف قصيدة " الانتظار "ص 12،أهمية الحريّة في حياة الشّاعر والإنسان عامة ، فيها كشف لتلهّف الذّات لإدراكها والسّهر والمجاهدة في سبيلها . ويحدّد الشّاعر حسن نصر منبعها جسّده في نبع الأمّ الصّافي فعلى يديها يتلقى المرء أبجديّتها ، من قصيدة ( عشق قديم ) ص 15 :" أخرج من السديم ومن برج الدلو / من غشاوة فجر الخميس /لأستحم في أحضان أمي / لأنهل من لبنها / وأتمرغ في بياض صدرها / وأغرف من حنان صوتها {..}تعلّمني فنون الكلام / والمشي والغناء /../كيف أزرع الوردة / وأطعم القطة وأتدبّر أمري مع الأحياء / ثمّ تطلقني حرا / فأطير محمولا بكفّ الريح / لأواجه الدنيا على نمطي / وأعيش فيها كما يقول لي نظري ./ ص 16
وعمّق الشّاعر ظمأه للحرية في قصيدة ( عطش في الدماء ) ( قصيدة عمودية على بحر المتقارب .ص 41 – 42 ، بمثابة لوحة مكثّفة الإيقاع والدلالات تمنيت لو أنّني كنت حرا/ أعيش كما شئت عيش الغجر {..} وإنّ الحياة بها الحر يحيا / عزيزا كريما بكل الصور / فحريتي من عطاء السماء / وحق إلاهي لكلّ البشر / وحريتي عطش في دمائي / ينادي ويصرخ طول العمر ) .
وفي قصيدة ( هو) قصيدة مسترسلة متماسكة الوحدة العضوية ينحت فيها الشاعر للحرية تمثالا رائعا نحته في شكل ملامح بطل شبه أسطوري :
"(أعرفته ؟!ذاك الّذي يطوي الطريق / يمضي إلى الأفق البعيد . جبهة عريضة عالية / ابتسامة ترفرفر بين العشب .نظراته ! جمرتان تبعثان الدفء في ليل الشتاء ./ ملامحه !يا لسنابل القمح تتماوج / صوته هدير الموج تتدفق / خطواته أواني الزنك تتقارع / يمضي إلى الآفاق البعيدة / إذا لم تكن قدعرفته / فذلك هو ابن الحرية /. ص 47 .
وتمثّل قصيدة ( قبلة ) ص 48 صورة التحرّر والتمرّد على السّائد .
وتعمّق القصائد الوطنية الموثّقة للمقاومة أو المواكبة للاستقلال أو بعده مضمون الحرية مرتبطا بمفهوم التضحية والشّهادة في سبيل الوطن .
لقد أكسب الشاعر قصائده طابعا خاصا لسلاستها ،فهو قادر على أن يبعث في المفردة المنتقاة نبضاً متجدّداً ،وجوّاً ثرياً ،بالإيحاء من توالد الدلالات الغنية. كما تميّزت قصائده بالصدق ،والطابع الرومانسي الحالم والشفافية، و بالرقة والعذوبة وعمق المعاني والصّور الشعرية المشرقة والمكثّفة .
ومن الظواهر الفنية البارزة في هذا الديوان المراوحة بين الإيقاع الموسيقي التراثي والمعاصر،فقد تراوحت قصائد الديوان بينهما مجسدة في وحدة الوزن و وحدة القافية وبين شعر التفعيلة والشعر الحر الذي تتنوّع فيها القافية أحيانا و تستغني عنها أحيانا أخرى،إنّه الجمع بين الأصالة والحداثة.
واستطاع الشاعر حسن نصر بفضل موهبته الفنية،وثقافته الواسعة ومقدرته اللغوية وبأسلوبه الأصيل أن يقدّم تجربة شعرية ناضجة ويسمو بها نحو الإبداع والتجديد ليلائم مقتضيات التطور والحداثة في المسيرة الشعرية المعاصرة. وديوان" مواسم الأعياد" ما هو إلا بطاقة تعريفية شعرية لروائيّ وقاص ذي باع طويل،استطاع فيها تقديم قصائد عذبة تنشر روحا للأمل والتحدّي .ديوان ( مواسم الأعياد ) رافد ثري وإضافة جديدة لمسيرة حسن نصر الروائية والقصصية .
L’image contient peut-être : Reem Aissaoui, texte qui dit ’egend Biography OF YHE PROBASHIRDIGANTA’

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق