الجمعة، 2 أكتوبر 2020

مقال الناقدة سهيلة حماد تعقيب على نصّ حيك بنبض الحرف للكاتبة أمال الخطيب وتعقيب بسحر نور التجلي للناقد الأديب أحمد طنطاوي.

 مقال: تعقيب على نصّ حيك بنبض الحرف للكاتبة أمال الخطيب وتعقيب بسحر نور التجلي للناقد الأديب أحمد طنطاوي. Ahmed Tantawy

=======
=========
النص:

الوحدة فى نهايات العمر ... قصة غروب
للكاتبة منال خطاب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

منال خطاب
......................

غروب

رأيته قادما قبل غروب الشمس بساعة، ظننته لن يستطيع المجىء اليوم… فالبرودة قارصة والامطار مازالت تهطل بغزارة وعصاه التى يتوكأ عليها، كثيرًا ما تخونة ؛ فيقع كبناء ينهدم ، صمته أحيانًا يغيظنى وأحيانًا أخرى يثير شفقتى ، تتبعت خطواته البطئية وهو يجلس بركنه المفضل محتميًا بمعطفه، وقد طوقت عنقه تلك الكوفية الصوفية الداكنة التي اعتاد أن يرتديها في مثل هذا الصقيع. طلب منى قهوة سادة ومعها الشاى سكره زائد، وكعادته يأخذ منى الشاى بلهفة ثم يضعه بالطرف الاخر من المنضدة، والابتسامة لا تفارق شفتيه. ثم يتناول قهوته على استحياء ويدندن أصواتًا كثيرة على أسمعه، وكأنه يحادث روحه ويغازلها، يفتح كتابًا يتصفحه من حين لآخر ويبتسم ثم تنهمر دموعه، فيسرع يلاحقها بالمنديل قبل أن تبلل نفس صفحة الكتاب. أحوم حوله ولا أغفل عن مراقبته، وفجأة قررت أن أتخلى عن صمتى أمامه وأخرج عن اللياقة،" فكيف لنادل أن يتدخل فى خصوصيات زبون، وخاصة وأنا أتربح منه يوميا بسخاء " بقشيشا" يساعدنى على أعباء الحياة... تقدمت له خاطبته-لماذا القهوة السادة مع الشاى الزيادة.؟.. رمقنى بعضًا من الوقت.. حتى خيل لى أنه يتهمنى بأننى فقدت الذاكرة…..ثم صاح فى ضجر: لقد كانت تشرب الشاى زيادة ياولد.

=======
==========

تعقيب أستاذنا الجليل احمد طنطاوي المبهر .

" قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا " \ طه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاتكاء الروحى أيضًا حاجة إنسانية عارمة , و الإنسان
عند الافتقاد يقع فى هوة اللامعنى و الضياع و الخواء
كمن يسقط من شاهق , و لابد أن يتواجد البديل
الحقيقى ( أو الوهمى ) اتقاءً للجنون , أى أن المرء قد يصطنعه
أو يفتعله _وهمًا _ فى الحالات الحادة بصرف النظر
كونه يقع تحت وصف الاختلال النفسى أم لا , لكنه يكون
مدعاة للدفء بدلا من أمراض أو أعراض اخرى اشد وطأة .
و فى فيلم سايكو لهيتشكوك صنع الإبن الشاب لأمه الميتة
نموذجًا و ألبس الدمية ملابسها و أجلسها على كرسيها
و عاملها كأنها أمه فكان يحادثها بل إنه _ متقمصًا إياها _
قد قتل النزيلة فى فندقه ( بيد الأم المتوهمة ) و قد
أحست بالغيرة من هذا الحب .
الوحدة شعور قس و قاتل , و هو موت بطىء , لأن فقد
الأنيس هو انتزاع , وحتى الطيور و الحيوانات
تحزن لفقد الشريك أو الصغير .
العيش بالوهم تحايل وجودى لمواصلة الخياة
فى الجزء المتبقى من العمر , و الحكم بالاختلال أو عدم
السلامة العقلية لا يهم ما دام قد يمنع من التهاوى الكامل
او الانتحار ...
ليس ثمة مايمنع أن يتخيل بطل القصة امرأته التى افتقدها
أمامه يحادثها و تمتسى كوب الشاى بالطريقة المفضلة لديها ,
و لا تثريب أن بكارس هذا الطقس الوهمى ما دام يجد سعادته
فى هذا الأمر .
الأحكام القيمية فى النهاية لن تفيد شخصًا يمكن أن يقع
فريسة المرض العقلى الكامل أو محاولة إنهاء الحياة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
النص أراه مكتملا من الناحية الفنية , و النهايـــــــــــــــــة
جسَّدت الفكرة التى سار بها السياق و جمَّعت الخيوط
تضفيرًا .
=========
============

مقالي: تعقيبي على القصة وعلى تحليل الاستاذ احمد طنطاوي المصري شيخ النقاد .

ما أجمل، وما أروع، وما أصدق هذا التحليل المتماسك، الذي مكّن القارئء من فهم رؤية الكاتب والغاية، من صياغة قصّة تتّحد مع الإنسان، في بعدها الكوني، ذاك الإنسان الذي افتقد عزيز شريك في آخر حياته، فيتعاظم فعل الغروب لديه، ولكن أمله في أن يبقي بصيص أمل يجعله يختلق ظلّا يتبعه، ويتابعه، ويعيش، على أطلاله فيجسّده حتى لا يفقد لذّة استمرار بقيّة حياته، ولو في خياله، ليخترق الوحشة، حتى لا يتجرّع أذيال الخيبة والفقد ، فالمكان والزّمن و القهوة والشّاي ،خلّ وخليل ونديم ، و انسجام ومتعة ونشوة وتوحّد سرمدي في ذات، فارقت وما غادرت ذهن صاحبها .. وإصرار الكاتبة أن تجعل البطل يشرب قهوته من غير سكّر، دليل أيقوني، على أنّ الحياة لم يبق لها طعما، من دون عشيرته، ومع ذلك هي الشّاي والسّكر في ذهنه، فشايها المحلّى يستقدم به طيفها، ليحادثها وتحدّثه في تفصيلة من تفاصيل لحظة سابقة عاشها وامتلأ بها في السّابق، اقتطعها من الزّمان في غفلة الكلّ لتغذّي وحدته، لتكون سكّرا يحلّي بها بقيّة العمر، لتستمرّ حياته. تلك هي إرادة الحياة، علينا أن نصنع عالمنا، عالما يخرجنا من الغربة المحطّمة ...حتى يفلت من الجنون .. كان يظنّ أن لا أحد يهتمّ به، فإذا بالنّادل المتطفّل، رصد الموقف، لحظة بلحظة، وقدّم لنا نهاية مؤثرة ومعبّرة ...

صحيح أنّ الكاتبة لم تسبر أغوار ذات البطل ولم تدخلنا في منولوج يعرّفنا على ما يجول بخاطره وما تعانيه ذاته المكلومة ...
واكتفت بذكر الحدث، ووصفه من قبل النّادل عبر مونولوج قصير، أوجز، ولكن كان مثيرا، ومؤثرا، أغناها عن الإطناب والثرثرة الزائدة...

وكأنها تعمدت ترك فراغات ليكملها القارئ فاستجاب لها الناقد أستاذنا الجليل الأستاذ أحمد طنطاوي، و قام بوضع إصبعه على العلة، وموطن الداء، في الذات العليلة المكلومة المغتربة في الضجيج، لليحلّل ويمحّص ويفسّر مفهوم الاتّكاء الرّوحي، ويبرّره، ويجعل العنوان لقراءته، الآفيش لمقالته، "الوحدة في نهايات العمر"، ولم يقل نهاية العمر، لتكون بوابة ونافذة على كلّ الذّوات، ثم ويستشهد بفيلم لهيتشكوك الذي بوأه النقّاد المرتّبة الأولى، في عالم أفلام الرّعب. ممسكا بالضّياء، وبالنّور المشعّ من الأثر - نقصد النصّ- ليجعلنا نقف مشدودين، مشدوهين أمام براع كتابة فياضة، متدفّقة المعنى و الصّورة، والوهج، رغم ضيق العبارة، فقد اتّسعت الرّؤيا، لتصير شعاع نور، يمكن أن يعتمده الكتّاب، في عالم القصص القصيرة..

فالنّصّ يراه الأستاذ طنطاوي "مكتملا من النّاحية الفنّية، والنّهاية "، "جسدت الفكرة التي سار بها السّياق، وجمعت الخيوط تضفيرا ".
دام مدادكما وبراعكما ناقدا وكاتبة
انتهى

سهيلة بن حسين حرم حماد

تونس الزهراء 22/09/2020
========
==========

L’image contient peut-être : 1 personne
L’image contient peut-être : Souheyla Hammed, gros plan

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق