حسن نصر شاعرا من خلال ديوانه " أعياد الفصول " ديوان تمرد على ألسنة اللهب وهو رحيل على وقع نشيد الحرية- قراءة الكاتبة ريم العيساوي
الثلاثاء، 20 أكتوبر 2020
حسن نصر شاعرا من خلال ديوانه " أعياد الفصول " ديوان تمرد على ألسنة اللهب وهو رحيل على وقع نشيد الحرية- قراءة الكاتبة ريم العيساوي
السبت، 17 أكتوبر 2020
قراءة سريعة في ثلاثية القاصة / إيناس سيد جعيتم " بريق فضي خاطف " بقلم الناقد محمد البنا
قراءة سريعة في ثلاثية
القاصة / إيناس سيد جعيتم
" بريق فضي خاطف "
بقلم / محمد البنا
............
من المعروف عن تقنية القص القصير بنوعيه القصير والقصير جدًا، الدخول مباشرة إلى عمق الحدث، دونما توطئة أو استهلال، وإن كان لا بد، فالقليل منه يكفي لإلقاء لمحة مؤثرة لها ضرورتها، أما وأن يستمر الاستهلال لفقرة خبرية كاملة، ويلحق بها بعض جمل، فهذا ما لا يطيقه نص قصير.
وهذا النص الجميل الرائع في مغزاه ومدلوله الآجتماعي والإنساني، والبسيط في عرضه وسلاسة سرده وقع بين أنياب تلك الآفة.
النص ابتدأ حتمًا عند " وُلدت مختلفة.."، وابتدأ تفضليًا عند " نظرن لها بتعجب.." .
وعند تعمقنا قراءةً في المتن نتوقف عند ثلاث مفاصل
الأول..تلك الخصلة اللامعة....كشف المستور
الثاني.. أنير غرتك....تأكيد أنها شعرة
الثالث.. المصفف بعناية.. تأكيد المؤكد.
والقص القصير أيضًا لا يحتمل التأكيد وتأكيد المؤكد، وما تم ذلك إلا لداعي البلاغة اللغوية، وروتق السردية، وإن كان على حساب التقنية القصية.
نعود للنص وتقييمه وفقًا لمعايير القص، فنجد أن القاصة برعت كعادتها في التميز بأسلوبها السردي الناعم الهادئ الرومانسي، والمتميز دومًا بخلفية شاعرية ولوحة تشكيلية واضحة الألوان، وفكرة مبتكرة طازجة، وحبكة محكمة، فالقاصة ممن يجيدون الأمساك بالخيط السردي بقوة، وعن المعالجة فالترواح السردي بين ثلاث أصوات ..الراوي، ضمير المتكلم، وضمير المخاطب، أضفى على النص حياة وصخب معاش، تعامل النص مع ثلاث شخصيات متوازية رئيسة..الأخوات، الابنة، الأم..لكل منهن خطه الدرامي المنعقد بإحكام..الأخوات...تعجب / نفور / حسد / شماتة
الابنة.. تودد / احساس بالذات / غرور / اقتلاع
الأم...مراعاة/ صمت تفكر / انحياز للغالبية.
ولن أتجاوز إن قارنت بين ما بين يدي الآن، وبين المنهاج القصي الذي اتبعه تشيخوف في معظم أقاصيصه، الخطين المتوازيين( صاعد / هابط )، وأرى في هذا النص ليس فقط خطين دراميين بل ثلاثة كما سبق وأوضحت.
أما عن الفكرة...الاختلاف عامة، فالنص في ظاهرة يعالج قضية اختلاف مادية بأنسنة الشعر، والتضاد الناشئ بين اللونين الأسود والأبيض، وفي مستواه الثاني يعالج الاختلاف الفكري، وضرورة قبول الرأي الآخر، وفي مستواه الثالث يعالج قضية الكراهية العنصرية ( الأبيض والأسود )، والخوف والحذر الفطري من كل ما هو مختلف عنا، ومحاولة التخلص منه، والانحياز الأعمى للشعبوية وإن كانت خطأ بين.
وفي تناص غير متخفي..يطل علينا
يوسف النبي...الشعرة البيضاء
اخوان يوسف...الشعرات السوداء
يعقوب ( أبو يوسف )...الأم
والشعرتين الاخريين...يوسف وأخوه....وإشارة لغلبة الحق.
وإن اختلف مهمة الأم / يعقوب...عن التناص الأصلي.
هنات بسيطة:
يحسدونها...يحسدنها
يتابعونها...يتابعنها
ذهول وخوف..لا تستقيم مع...تشفي وشماتة
والأصوب..فرحة غامرة أو ما شابه.
أما عن كون هذه القصة القصيرة الرائعة ثلاثية، فذلك ل
عنوانها ثلاثي الكلمات
بريق...علم / مكاني
فضي...لون / تعبيري
خاطف.. زمن / حركة.
وشخصياتها الثلاث
الشعرة البيضاء
الشعرات السود
الأم
وخطوطها الدرامية الثلاث
غرور / حسد / اقتلاع
ومستوياتها الدلالية الثلاثة
اختلاف لون
اختلاف فكر
اختلاف اغلبية واقلية.
وثلاثة أصوات
الراوي/ ضمير المتكلم / ضمير المخاطب.
.................محمد البنا ..٣مايو ٢٠٢٠
النص
.......
بريق فضي خاطف
للأديبة إيناس سيد جعيتم بندوة الثلاثاء ٢٠٢٠/٥/٥)
ولدن جميعهن من رحمٍ واحد، تبدأ حياتُهن القصيرةُ باحتفاليةِ الميلادِ وتنتهي...بالسقوطِ في عالمِ النسيان، على جزيرةٍ تحكمُها نون النسوةِ يعشن ترعاهن الأم، ينسجمن في تناغمٍ ومن تتشابك وتقع بالمشاكلِ منهن تتكفلُ بها الأمُ..
كن جميعًا ينتظرن الوليداتِ بشغفٍ حتى أتت لحظةُ ميلادِها، ولدت مختلفة... تشعُ بضوءٍ فضيٍ براقٍ تحت أشعةِ الشمس، نظرن لها بتعجب، دائمًا ما تباهين بلونهن الأسودِ الفاحم، وافتخرن به حتى ولدت هي، تبادلن نظراتِ الحيرة، تساءلن
- كيف وُلدت هكذا؟
(ولدتُ مميزةٌ أعرفُ ذلك، أرى نظراتِ الحيرةِ الممزوجةِ بخوفٍ في أعينهن، كلما حاولتُ التقربَ منهن تفرقن وابتعدن، أنا أختكن.. ماذا دهاكن؟!! )
تابعنها بتوترٍ وهي تنمو وتزدادُ طولًا وتألقًا كل يوم، همست بعضهن وقد أشعلت قلوبَهن الغيرةُ:
-هل تعتقدُ أن لونَها وبريقَها الذي يخطفُ الأبصارَ يميزُها؟ أفيقي أختاه أنت غريبةٌ بيننا.
بينما تجنبتها بعضهن خوفًا منها:
-هي لا تشبهُنا، لا تخالطوها.
اختلفت ردودُ أفعالهِن حيالها ولكنهن تجمعن على قرارٍ واحد..
إحساسُها بالرفضِ منهُن أصابها في البدايةِ بالحيرة، ما اختارت لونَها ولا تعرف سببَ اختلافِها، كل ما أرادته أن تختلطَ بهن وتأخدُ مكانَها في تلك الخصلةِ اللامعة، كلما حاولت التوددَ لهن زدنها جفاء، تسلل الغضبُ لقلبِها وهي تعجزُ عن تقبلِ رفضهن لها...
-إذا كنتن لا تريدونني فشاهدوني جيدًا وأنا أخطفُ الأبصارَ بلوني الرائع.
(أماهُ انا ابنتك، أنا المميزة، هن يرفضونني، انظري الي وأنا أنيرُ غرتك).
لشدةُ دهشتِها ودهشتهن كن جميعًا كمن توقف به الزمن ..
يدُ الأمِ تمتدُ لتحتضنَها ... يحسدُونها... تنام بفخرٍ بين إصبعيها ... ذهولٌ وخوفٌ وهن يتابعونها وقد اقتُلعَت من منبتِها، شماتةٌ وتشفي بها...
قررن الاحتفالَ بتفضيلِ الأمِ لهن وإقصائها عن عالمهن المصفف دائما بعناية، في غمرةِ احتفالِهن لم يلحظن أختيها الفضيتين اللتين نبتتا مكانها.
ايناس سيد جعيتم
الجمعة، 16 أكتوبر 2020
دراسة نقدية / بقلم الناقدة الفذة د . رشا السيد أحمد / الرمزية في الشعر التعبيري السردي والمرمز الصوفي عند الشاعر فراس الوائلي
دراسة نقدية / بقلم الناقدة الفذة د . رشا السيد أحمد / الرمزية في الشعر التعبيري السردي والمرمز الصوفي عند الشاعر فراس الوائلي
دراسة نقدية
الرمزية في الشعر التعبيري السردي
والمرمز الصوفي عند الشاعر فراس الوائلي
بقلم د . رشا السيد أحمد
بعد هذا السير الطويل في الشعر السردي التعبيري منذ أطلقناه في عام 2015م , ما زلنا نبحر في مكوناته ونبحر داخله وننظر في سمائه نستشف من نجوم مفرداته العبقة ونشرب من كأس التجلي في محاريبه كؤوس تثمل القلب شعرا ونبحث في أجزائه نطالع عبقرية التكوين وعمق اللون وفرادة التكشيل ورمزية اللون ومفردات التشكيل في هذا اللون الأدبي الذي عانق الفن التشكيلي بعمق منذ ولادته قديما وحديثا
أبحر اليوم في لوحة شعرية للشاعر العراقي فراس الوائلي في قصيدة قصيرة لكنها مملوءة بالرمزية التعبيرية الشعرية , ومكثقة بدلالات تجعل القارىء يتأمل المعنى والمرمز الذي رمى إليه في قصيدته
نص القصيدة السردية التعبيرية للشاعرأ . فراس الوائلي من العراق الشقيق
قمر الأحلام
لهف نجمي جالس تحت شلال الغرام فيما اليوغا المحرمة في عينيك بداية الحب أما سريان همسي في نبضك الشهي فهو أُسطورة المعابد في جزر الآلِهة وما زال الوطواط يحوم حول الحروف وما زال زهر الكرز قلادة الشمس وأما الغيث المجنون يرقب شوق الحقول بتأني و ينأى بدلال قمر الأحلام أناني كحبي يظل يهرول بين الروح والذاكرة بشوق يعلم الخلود سحر الأنوثة التي تنثها هي داخلي بينما ينثر رحيق الورد منها على أنفاس السماء فيما تصير الأواقيت بين يدي قصائد ماء وبخور معها أسمو للعلا.
1 ـ أهمية مرمز العنوان
تتميز القصيدة هنا كأنها حبة ماس صغيرة تلتمع في وجوهها من كل الجهات , ويبرق المعنى داخل النفس برقيق دلالته الشعرية فالنص أتخذ له عنوانا ( قمر الأحلام )
كناية عن أحلامه الجميلة والتي يزينها قمر ينير دواخله برهيف النور وذاك يرمز
لشفافيته الناصعة التي تنث داخلنا رقة الرمز فلكل هذه الأحلام داخله قمر يتوقد بضيائه الرهف . العنوان هو فاتحة أي نص أدبي وعليه أن يختصر داخل القصيدة بمرمز دال بعمق
ندخل النص ونفككه يقول
" لهف نجمي
جالس تحت شلال الغرام
فيما اليوغا المحرمة في عينيك بداية الحب
و سريان همسي في نبضك الشهي
هو أُسطورة المعابد في جزر الآلِهة "
ترمز بلهفه العالي بالنجم البعيد وكأن لهفه بحجم نجم وبرقته وقد طاول السماء وسكنه فيما راح هذا النجم يترقب غرامه ويسكن تحت شاله كم هي رقيقة الرمزية والصورة داخل اللوحة , وكأن للغرام شلال كيفما هف و تحرك يهف قلبه معه
يتابع رسم الجزء الآخر من اللوحة فعيّنيَ المحبوبة مريحة جدا كم هي دروس اليوغا الرياضية والروحية لكنها عليه محرمة , أي أنه حبها ليس له لكنه بها متيم
الرمز هنا حديث وطازج وقوي . فعينيها رغم أنها تحمل السكينة والراحة لكنها عليه محرمة
أما سريان همسه لقلبها فهي كأساطير مقدسة داخل معبد بكل جلاله وعظمته وسكينته وسلامه ليعبر الشاعر عن عمقه وما يحمله من رقة الشعور .. فكأن هذا البوح أسطورة لا تنتهي من العشق والسكينة والإرتياح جللها قدسية وجلال روحي صرف أرتقى للعرفانية العميقة
ـ أهمية الرمز التعبيري داخل القصيدة
2ـ (أهمية الرمز داخل القصيدة التعبيرية تتأتى من كونها عنصر هام جدا في الشعر التعبيري السردي كونه يختصر الكثير من المعنى داخله كرموز التشكيل الفني في اللوحات الفنية )
من المهم جدا أن يعرف الشاعر كيف يرسم هذه المساحة الشعورية ويترمزه بكلمات قليلة تختصر داخلها الكثير وتشير إشارة عميقة لبلاغة المجاز , فهو هنا يرسم بالكلمات لوحة تتباثق من أعماق النفس , من مساحة اللاشعور التي تنتض كضربات سريعة لفرشاة تحدد ملامح أجزاء اللوحة بقوة الفكرة والتشكيل واللون وبراعة القلب في التصوير الشعري ليوصل داخله قدر ما يستطيع
يتابع الشاعر
( وما زال الوطواط يحوم حول الحروف)
كناية عن روح سوداء تراقب الأدب وهذا الوطواط يحمل كل صفات الوطاويط من التنقل سرا وليلا وترقب الشعر والأدب وما يجري داخله و لا بد له غاية في مراقبته هذه وهذا الغاية حتما ليست لصالح الأدب وأصحابه . وربما كناية لشيء لا يحبه في الوضع الخارجي في الوطن
يتابع قائلا ...
" وما زال زهر الكرز قلادة الشمس
وأما الغيث المجنون يرقب شوق الحقول
بتأني
و ينأى بدلال قمر الأحلام
أناني كحبي يظل يهرول بين الروح والذاكرة "
ويترمز للجمال والصفاء لتلك المحبوبة فهي كالشمس التي يزين جيدها زهر اللوز بكل رقته وجماله وبكل نورها المشع الذي يتحف المسافات بجمال الضياء كلما أطلت الكون , وكأنها شمس تنير قلبه دون نهاية بكل ألقها وبراءتها وحسنها ورقتها
الصورة الرمزية هنا كانت رائعة بكل ما فيها وبكل ما رمزت إليه فقد استعار الشمس لتنير المرمز برقة المعنى وضيائه, فدائما ما نرى اللوحات التي ترسم الشمس أو القمر برقة تحملنا على أجنحتها لأركان قصية من الجمال الشعري والفني , أنه الوجود الحي .
3 ـ قوة المرمز في الشعرية التعبيرية
ـ المرمز هنا قوي ودلالته تعبيرية تصويرية لحبه بكل ألوانه ورقته الإنطباعية التي مازجت التعبيرية بكل رقة في النص
ـ" ففي التعبيرية مهم جدا أن يكون " الرمز" يتكلم عن نفسه بقوة ويشعرنا بالقوة الروحية والتصويرية للفنان و للشاعر " .
فإذا لم يكن هو فنانا فهو شاعر يرسم بوحي روحه بالحروف والكلمات ما يعتريه لوحة متكاملة , وأما غيث الشوق من المحبوبة , فهو لا يرحم
فهو يرقب حقول اللهفة والشوق للشاعر والشاعر ينتظر أن يتأتى منها جمال الغيث في ساعة يرتجيها ولكنه لا يأتي , وكأنه يرقب وجع الشاعر في القلب بكل برود
يقول أ . فراس الوائلي
" أناني كحبي يظل يهرول بين الروح والذاكرة بشوق يعلم الخلود سحر الأنوثة التي تنثها هي داخلي "
نعم هذا الغيث أناني لا يحب غير نفسه فهو لا يسقى العطاش يا لرقة المرمز وجماله وسعة معناه
4_ العمق الصوفي عند الأستاذ فراس الوائلي
لو نظرنا للمعنى , ليس فقط أناني هذا الغيث بل يظل يهرول بين الروح والذاكرة يقرأ حكايته الجميلة وقصصه الأنيقة ويلمس الروح برقته , وتضل الروح تترقب هطوله وكأنه يعلم الخلود والأبدية جمال أنوثة المحبوبة ورقتها و تجليها داخله , وهو يرسمها في قلبه دون أن يمل من هذا الذهاب بين الروح والذاكرة
صورة رهفة للغاية ومرمز بالنظر إلى عمق المعنى نراه أخذ عمق روحي صوفي يرتسم بالقلب بسلاسة دون إتخاذ لغة شعرية مقعرة في كلماتها.
ـ " فالتعبيرية العربية التي أكتست بالرومانسية تعشق جمال المرمز مع شفافيته الرهفة بعيدا عن تقعر اللغة الصعبة ".
5-جمال المرمز في الخاتمة
نبحر لختام النص عند الشاعر فراس الوائلي حيث يختم قصيدته فيقول
" بينما يُنثر رحيق الورد منها على أنفاس السماء فيما تصير الأواقيت بين يدي قصائد ماء وبخور معها أسمو للعلا "
وكأنها شجرة ورد تنثر من أنفاسها وهي بين يديه رحيقاً آخاذا فتصير رائحة السماء كلها عطرة بعطرها , يا لجمال المعنى في جملته الطويلة التي جاءت كرد وجواب , فرحيقها الذي بثته من شدة نقائها وصفاء سريرتها ولشدة حبه لها بسببه تصير الأواقيت بين يديه كلها قصائد سهلة تنبع منها الحياة كما ينابيع الماء التي تتحف الحياة بجمالها فمعها تصير الأوقات أواقيتا قصيرة و حياة عذبة ترقى به لسدة السماء وأي جمال أرقى من هذا التجلي
فما الشعر عند العارف إلا للقاء المطلق وهو يعبر بروح الحبيبة داخله منتشيا حبا وشعرا وسكينة وتجلي وعرفانا
أخيرا
في القصيدة التعبيرية كأي قصيدة أخرى على الخاتمة أن تتخذ لها صفة تمنح القصيدة قفلة تريح النفس وتختم بمجازات ومرمزات تختصر داخل الشاعر وفورته الشعرية وهي ترقى به لفضاء المطلق ليحلق عاليا منتشيا بجمال شعريته التي تفور من معامل اللاشعور داخله لحظة الانبثاق الشعري
نص رقراق سلسل عميق ومرمزاته شكلت لوحة فاضت بالشعرية والنور والتحليق في سياق التعبيرية الرومانسية الجميلة .
الجمعة، 2 أكتوبر 2020
البنيوية وحنين فقد ماضيه قراءة في نص بقلم / محمد البنا لقصة " حنين فقد ذاكرته" للمبدعة السودانية / مي عبده عزت
البنيوية وحنين فقد ماضيه
قراءة في نص
بقلم / محمد البنا
لقصة " حنين فقد ذاكرته"
للمبدعة السودانية / مي عبده عزت
.........
البنيوية مدرسة نقدية بدأت كمدرسة غير معلنة على يد الشكلانيين الروس في بدايات القرن العشرين، ويعد فرديناند دي سوسير الأب الحقيقي لها،ثم عمل على تطويرها تودروف ورولان بارت الذي اسهم بشكل كبير في ارتدائها حلة جمالية متأثرًا بفكر المفكر الشهير بنديتو كروتشي، ونظريته عن علم الجمال.
البنيوية مدرسة تهتم ببنية النص من داخله، ولا تلتفت للعوامل الخارجية مثل التاريخ والمجتمع والدين وخلافه.
كانت هذه توطئة تعريفية تمهد لمدخلنا إلى دراسة النص الذي بين يدينا.
بادئ ذي بدء...هذا نصٌ قرأته قبل نشره- دكتور مي هى إحدى المتتلمذات على يدي- وأثنيت عليه وطالبتها بنشره، ومن ثم نسيته إلى حين عودتي إليه ناقدًا بعد حين.
لماذا أقول هذا؟ وهو تقريبا يعرفه الكثيرون!... في الحقيقة عندما عدت للنص كناقد تفاجأت حد الدهشة الصادمة، صدمة رهيبة ولكنها الصدمة التي يقشعر لها جسدك..ترى لم ؟..بعيدًا عن فكرة النص وطريقة معالجتها، وأسلوب مي المتفرد ( تعدد الضمائر الساردة )، بعيدًا عن كل ما ذكرته- وقد ذكرته قبلا في كل دراساتي لنصوص مي- رأيت أمامي ثماني فقرات مقسمة بفواصل واضحة، والثماني فقرات مقسمة إلى خمس فقرات أساسية يربط بين كل فقرتين أساسيتين فقرة ربط ثانوية...تخيلوا معي أسورة ذهبية من خمس فصوص كبيرة وبينهم ثلاث فصوص فضية صغيرة، يلضمهم معًا خيط معدني طيّع، الا وهو الفكرة، وما الفكرة هنا إلا الإرادة، وما الأداة إلا صالح...نعم صالح ..صالح الحبيب هو العمود الرأسي الذي أقامت عليه الكاتبة دعائم نصها، وأبتنت حوله بيتًا بغرفه ونوافذه وأبوابه...كانت قوية عندما قررت واختارت صالحا ونأت عن الأحبة والأهل لأجله، وكانت قوية عندما اختارت وقررت دفع صالح بعيدًا عن معاناتها رحمة به من التعايش مع مأساتها ( الورم الخبيث ) او التأزم النفسي لفقدها وهى بين ذراعيه، فخلعت خاتمها.
هى عاشت من أجل صالح، واختارت أن تموت بعيدا عن صالح ومن أجله.
ولكل قرار ثمن..هكذا خبرتنا الحياة، وكان الثمن باهظًا..حياة، ويالها من حياة!!..حياة بلا ذاكرة، لتظهر قوة الارادة من جديد..فلتكن بدايات حياة جديدة، يشدها الى الماضي المفقود والمفتقد برواز لصورة جامعة( ليس فيها صالح )...أليس ذلك ثمنًا باهظا؟!.
والآن عودة لما أدهشني، فما أدهشني فعلا هو أنني لمحت قوة أسلوب كنانة عيسى( اللغة الرصينة والمعالجة )(ماهى إلا مغامرة....ولربما تكون الأخيرة )/ ولمحت وجع أسلوب صديقة صديق علي( التردد الأولي، شجن المفارقة للاهل، حنين ما بعد فقدان الذاكرة)/ ولمحت براعة أمل البنا ( تراكيب الجمل )(تلك الابتسامة المصلوبة ....وغيرها من جمل تعددت)/ولمحت حنكة ومهارة ايناس جعيتم ( الانسياب السردي )(الانتقال السهل بين الجمل والفقرات من البدء حتى النهاية)/...كل هذا انصهر بعفوية في متن سردي ينتمي وبما لا يقبل الشك في إبداع واحد..ابدعته مي عبده عزت، وفي نص واحد عنونته " حنين فقد ماضيه"
حين ننظر لكيفية البناء السردي الذي انتهجته القاصة، لطرح أقصوصتها هذه نجدها اعتمدت مسارين أحدهما أفقي ويمثله التتابع المشهدي وفواصله الثانوية، والآخر رأسي ويمثله تصاعد الحالة الوجدانية عند بطلة القصة، واستطاعت الكاتبة بمهارة أن توثق الرابط بين كلا المسارين، بابتداعها الشكل البنائي سالف الذكر، حيث اختفى العامل الزمني المباشر، وتخفى خلاف السطور، اللهم إلا فيما سقط سهوا مثل ( بعد، قبل).
كما كان للفقرات الثانوية تأثيرها الجمالي - رغم عدم أهميتها لتوثيق الفكرة- على متعة القراءة، وبخاصة الفقرة الرائعة ( حديث الممرضة والطبيب ) فقد تكفلت الكلمات الحوارية - رغم كثافتها الشديدة- بخلق مشهد ينطق حياة( غرفة في مستشفى ).
هنيئا لنا بهذا النص الشجي المبدع، وهنيئا لك يا مي بهذا الإبداع الذاهل المذهل، وهنيئا لكن أنتن - صديقة وأمل وكنانة وايناس - بتغلغل ماتتميزون به مؤثرا في ذائقة كاتبة اراها انضمت وبجدارة إلى قمة تتبوؤنها عن جدارة أيضا.
محمد البنا..٢٩سبتمبر٢٠٢٠
.............
النص
........
#حنين_فقد_ماضيه..
ترددت كثيراً قبل أن أوقع على هذا الأقرار،
فلا أستطيع الأختيار مابين الموت، والمجازفة بما تبقى من الحياة!!
صعب هو القرار، حين تتعلق عيناك بالسماء، ترفرف بجناحي الأمل لتلامس النجوم، لكن تخاف من السقوط في تلك الحفرة المظلمة الرطبة، دون أن يتسنى لك الوداع.
دعكِ!!
ماهي إلا مغامرة أخرى، من مغامرات حياتك. أسوف تبخلين على نفسك بها؟!
لربما تكون الأخيرة!!
🌼🌼🌼🌼🌼🌼
وضبت حقيبتها الصغيرة، لم تنس زجاجة عطرها الرخيصة، كما ذلك البرواز الخشبي الذي يضم بين جنباته صور جميع أحباءها، ولم تنس أيضا شالها الصوفي الذي أهداه لها صالح، مازال عبق أنفاسه ودخانة باقٍ، منذ ذلك الشتاء الماطر.
🌼🌼🌼🌼🌼🌼
كيف وصلت إلى هنا، بكل هذا الشحوب!!
لا أحد يعلم، حتى هي.
ما زال كفها ممسكاً بمقبض الباب، يرتجف.
باغتتها الممرضة، فتحته لها، أدخلتها، ثم انتشلت حقيبتها من بين يديها، ورتبت ما فيها في الخزانة المقابلة لفراشها، ووضعت لها ذلك البرواز على المنضدة.
صعقتها بذلك السؤال!!
هل أنت خائفة؟
أجابتها بإيماءة من كتفيها!!
لا تخافي يا سيدتي، بل ابتسمي، سيكون أمهر الأطباء في العالم حولك، يعتنون بك.
🌼🌼🌼🌼🌼🌼
ظلت ترقب تلك الصورة حتى غفت عينيها.
أشرقت شمس اليوم المرتقب، أيقظتها ذات الممرضة ب: صباح الخير يا أجمل سيدة في الدنيا، استعدي، لحظات وسيتم نقلك لغرفة الجراحة.
ثم ظهر الطبيب من بعدها، القى التحية وقال لها: هلم بنا لنخلصك من ذاك اللعين.
توضأت، ركعت، طلبت العفو من الجميع،
ثم ابتسمت واستكانت في النقالة الطبية بكل استسلام.
لا سبيل للتراجع.
وحدها عرفت أن رغبتها في البقاء قادرة على ابتلاع ذلك الأمل الضئيل جداً في نجاح تلك الجراحة.
🌼🌼🌼🌼🌼🌼
رغم تلك الابتسامة المصلوبة على وجهها المتجمد إلا أن لا أحد ينتظرها بالخارج.
أليست غريبة يا دكتور!!
أجاب مساعدته، لنسألها حين تفيق..
🌼🌼🌼🌼🌼🌼
كانت تسترق السمع من حولهم، ما أجمل أن يكون للإنسان جناحان.
تأرجحت مابين السماء، وحقيقة أنها متجمدة في فراغ من اللاوعي، تعبث كطفلة في وجوه كل الناس الذين التقتهم يوماً، وصادقاهم أو أحبتهم، خصوصا بعد أن هجرت عائلتها فداء لصالح، الذي علمها كيف تلامس دفء الشمس، قبلت كل الأزهار التي أهداها لها، على مدار عشر سنوات، قبل أن تخلع محبسه، متحججة بأنها ما عادت ترغب في مشاركة أحد لوسادتها.
حتي صديقتها المقربة، اخبرتها بأنها ستكون في عطلة، ولن تستقبل المكالمات الهاتفية.
ابتعدت برأسها المثقل بالورم، حيث لا يعرفها أحد، تخلت عنهم مقابل الاحتفاظ بكبرياءها وصمودها.
فقط أهدت الجميع أحضاناً عميقة، عبر حلم جميل، حتى بلغت من التأثر منتهاه.
🌼🌼🌼🌼🌼🌼
استغرقت الجراحة لإزالة ذلك الورم من رأسها قرابة الثمان ساعات، كان قريبا جداً من مخزون ذاكرتها، لكن!!
دكتور!!
دكتور!!
حركة تزيد في بؤبؤ عينيها ..
دمعة هاربة من بين جفنيها ..
🌼🌼🌼🌼🌼🌼
استيقظت، بدون الورم الذي هضم ذاكرتها بداخل أحشائه.
ظلت تتسائل؟؟
من أنا؟؟
تلتفت حولها، علها تتعرف على شيء من الماضي، لا شيء سوى فراغ معتم بداخل رأسها، فتقع بنظرها على ذلك البرواز يضيء، يزيد من نبضاتها ثائراً على وحدتها.
أ أنتم ذلك الماضي؟
كيف سمحت لكل بسمة، كل قبلة، كل لحظة قضيناها معاً أن تضيع؟!
أ أحببتموني بهذا القدر الذي يجعل قلبي متعلقاً بكم، يا من لا أتذكر عنكم شيئا؟!
حفظت ملامحهم جميعاً.
قبضت بكفها على صدرها.
ودعت ذلك البرواز، تركته خلفها، ثم استعادت أهليتها مع البدايات الجديدة، لكن ظلت تلك العيون تناديها من داخل البرواز الخشبي وتأسرها، بأصفادٍ من حنين.
مي عبدالحميد
السودان...............٢٨سبتمبر٢٠٢٠
مقال الناقدة سهيلة حماد تعقيب على نصّ حيك بنبض الحرف للكاتبة أمال الخطيب وتعقيب بسحر نور التجلي للناقد الأديب أحمد طنطاوي.
مقال: تعقيب على نصّ حيك بنبض الحرف للكاتبة أمال الخطيب وتعقيب بسحر نور التجلي للناقد الأديب أحمد طنطاوي. Ahmed Tantawy
=======
=========
النص:
الوحدة فى نهايات العمر ... قصة غروب
للكاتبة منال خطاب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منال خطاب
......................
غروب
رأيته قادما قبل غروب الشمس بساعة، ظننته لن يستطيع المجىء اليوم… فالبرودة قارصة والامطار مازالت تهطل بغزارة وعصاه التى يتوكأ عليها، كثيرًا ما تخونة ؛ فيقع كبناء ينهدم ، صمته أحيانًا يغيظنى وأحيانًا أخرى يثير شفقتى ، تتبعت خطواته البطئية وهو يجلس بركنه المفضل محتميًا بمعطفه، وقد طوقت عنقه تلك الكوفية الصوفية الداكنة التي اعتاد أن يرتديها في مثل هذا الصقيع. طلب منى قهوة سادة ومعها الشاى سكره زائد، وكعادته يأخذ منى الشاى بلهفة ثم يضعه بالطرف الاخر من المنضدة، والابتسامة لا تفارق شفتيه. ثم يتناول قهوته على استحياء ويدندن أصواتًا كثيرة على أسمعه، وكأنه يحادث روحه ويغازلها، يفتح كتابًا يتصفحه من حين لآخر ويبتسم ثم تنهمر دموعه، فيسرع يلاحقها بالمنديل قبل أن تبلل نفس صفحة الكتاب. أحوم حوله ولا أغفل عن مراقبته، وفجأة قررت أن أتخلى عن صمتى أمامه وأخرج عن اللياقة،" فكيف لنادل أن يتدخل فى خصوصيات زبون، وخاصة وأنا أتربح منه يوميا بسخاء " بقشيشا" يساعدنى على أعباء الحياة... تقدمت له خاطبته-لماذا القهوة السادة مع الشاى الزيادة.؟.. رمقنى بعضًا من الوقت.. حتى خيل لى أنه يتهمنى بأننى فقدت الذاكرة…..ثم صاح فى ضجر: لقد كانت تشرب الشاى زيادة ياولد.
=======
==========
تعقيب أستاذنا الجليل احمد طنطاوي المبهر .
" قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا " \ طه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاتكاء الروحى أيضًا حاجة إنسانية عارمة , و الإنسان
عند الافتقاد يقع فى هوة اللامعنى و الضياع و الخواء
كمن يسقط من شاهق , و لابد أن يتواجد البديل
الحقيقى ( أو الوهمى ) اتقاءً للجنون , أى أن المرء قد يصطنعه
أو يفتعله _وهمًا _ فى الحالات الحادة بصرف النظر
كونه يقع تحت وصف الاختلال النفسى أم لا , لكنه يكون
مدعاة للدفء بدلا من أمراض أو أعراض اخرى اشد وطأة .
و فى فيلم سايكو لهيتشكوك صنع الإبن الشاب لأمه الميتة
نموذجًا و ألبس الدمية ملابسها و أجلسها على كرسيها
و عاملها كأنها أمه فكان يحادثها بل إنه _ متقمصًا إياها _
قد قتل النزيلة فى فندقه ( بيد الأم المتوهمة ) و قد
أحست بالغيرة من هذا الحب .
الوحدة شعور قس و قاتل , و هو موت بطىء , لأن فقد
الأنيس هو انتزاع , وحتى الطيور و الحيوانات
تحزن لفقد الشريك أو الصغير .
العيش بالوهم تحايل وجودى لمواصلة الخياة
فى الجزء المتبقى من العمر , و الحكم بالاختلال أو عدم
السلامة العقلية لا يهم ما دام قد يمنع من التهاوى الكامل
او الانتحار ...
ليس ثمة مايمنع أن يتخيل بطل القصة امرأته التى افتقدها
أمامه يحادثها و تمتسى كوب الشاى بالطريقة المفضلة لديها ,
و لا تثريب أن بكارس هذا الطقس الوهمى ما دام يجد سعادته
فى هذا الأمر .
الأحكام القيمية فى النهاية لن تفيد شخصًا يمكن أن يقع
فريسة المرض العقلى الكامل أو محاولة إنهاء الحياة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
النص أراه مكتملا من الناحية الفنية , و النهايـــــــــــــــــة
جسَّدت الفكرة التى سار بها السياق و جمَّعت الخيوط
تضفيرًا .
=========
============
مقالي: تعقيبي على القصة وعلى تحليل الاستاذ احمد طنطاوي المصري شيخ النقاد .
ما أجمل، وما أروع، وما أصدق هذا التحليل المتماسك، الذي مكّن القارئء من فهم رؤية الكاتب والغاية، من صياغة قصّة تتّحد مع الإنسان، في بعدها الكوني، ذاك الإنسان الذي افتقد عزيز شريك في آخر حياته، فيتعاظم فعل الغروب لديه، ولكن أمله في أن يبقي بصيص أمل يجعله يختلق ظلّا يتبعه، ويتابعه، ويعيش، على أطلاله فيجسّده حتى لا يفقد لذّة استمرار بقيّة حياته، ولو في خياله، ليخترق الوحشة، حتى لا يتجرّع أذيال الخيبة والفقد ، فالمكان والزّمن و القهوة والشّاي ،خلّ وخليل ونديم ، و انسجام ومتعة ونشوة وتوحّد سرمدي في ذات، فارقت وما غادرت ذهن صاحبها .. وإصرار الكاتبة أن تجعل البطل يشرب قهوته من غير سكّر، دليل أيقوني، على أنّ الحياة لم يبق لها طعما، من دون عشيرته، ومع ذلك هي الشّاي والسّكر في ذهنه، فشايها المحلّى يستقدم به طيفها، ليحادثها وتحدّثه في تفصيلة من تفاصيل لحظة سابقة عاشها وامتلأ بها في السّابق، اقتطعها من الزّمان في غفلة الكلّ لتغذّي وحدته، لتكون سكّرا يحلّي بها بقيّة العمر، لتستمرّ حياته. تلك هي إرادة الحياة، علينا أن نصنع عالمنا، عالما يخرجنا من الغربة المحطّمة ...حتى يفلت من الجنون .. كان يظنّ أن لا أحد يهتمّ به، فإذا بالنّادل المتطفّل، رصد الموقف، لحظة بلحظة، وقدّم لنا نهاية مؤثرة ومعبّرة ...
صحيح أنّ الكاتبة لم تسبر أغوار ذات البطل ولم تدخلنا في منولوج يعرّفنا على ما يجول بخاطره وما تعانيه ذاته المكلومة ...
واكتفت بذكر الحدث، ووصفه من قبل النّادل عبر مونولوج قصير، أوجز، ولكن كان مثيرا، ومؤثرا، أغناها عن الإطناب والثرثرة الزائدة...
وكأنها تعمدت ترك فراغات ليكملها القارئ فاستجاب لها الناقد أستاذنا الجليل الأستاذ أحمد طنطاوي، و قام بوضع إصبعه على العلة، وموطن الداء، في الذات العليلة المكلومة المغتربة في الضجيج، لليحلّل ويمحّص ويفسّر مفهوم الاتّكاء الرّوحي، ويبرّره، ويجعل العنوان لقراءته، الآفيش لمقالته، "الوحدة في نهايات العمر"، ولم يقل نهاية العمر، لتكون بوابة ونافذة على كلّ الذّوات، ثم ويستشهد بفيلم لهيتشكوك الذي بوأه النقّاد المرتّبة الأولى، في عالم أفلام الرّعب. ممسكا بالضّياء، وبالنّور المشعّ من الأثر - نقصد النصّ- ليجعلنا نقف مشدودين، مشدوهين أمام براع كتابة فياضة، متدفّقة المعنى و الصّورة، والوهج، رغم ضيق العبارة، فقد اتّسعت الرّؤيا، لتصير شعاع نور، يمكن أن يعتمده الكتّاب، في عالم القصص القصيرة..
فالنّصّ يراه الأستاذ طنطاوي "مكتملا من النّاحية الفنّية، والنّهاية "، "جسدت الفكرة التي سار بها السّياق، وجمعت الخيوط تضفيرا ".
دام مدادكما وبراعكما ناقدا وكاتبة
انتهى
سهيلة بن حسين حرم حماد
تونس الزهراء 22/09/2020
========
==========
هل الرّواية التاريخية تأريخا للأحداث أم تذويتا أم تذويبا للتّاريخ في الخطاب لإعادة طرح أسئلة من جديد ..بقلم الناقدة سهيلة حماد
مقالة بعنوان:
هل الرّواية التاريخية تأريخا للأحداث أم تذويتا أم تذويبا للتّاريخ في الخطاب لإعادة طرح أسئلة من جديد .. للتامل لزرع وعي آخر ..
تعقيبا على مقالة الدكتور مختار أمين الصادرة بجريدة البينة الثقافية بتاريخ 20/09/2020
بعنوان: "زمن الرواية
التّخطيط لكتابة رواية ناجحة "
=======
============
زمن الرواية
ــــــــــــ
التخطيط لكتابة رواية ناجحة:
ــــــــــــــــــــــــ
عندما تنوي كتابة رواية بشكل احترافي، لابد أولا أن تتأكد من موضوعها أنه يصلح لهذا الجنس من الأدب، لأن كل جنس أدبي ينادي موضوعه الذي يليق به، فهناك موضوع لا يتعدى الخاطرة العابرة، وموضوع يصلح للومضة، وموضوع يصلح للقصة القصيرة جدا، وموضوع يصلح للقصة القصيرة، وهكذا..
فموضوع الرواية هو أقرب لنقل جياة شبه كاملة، وأحداث ومواقف أشخاص وأماكن وتاريخ، والموضوع لابد وأن يتناسب مع هذا..
ثم يأتي أختيار الهدف، الهدف من هذا الموضوع، لابد أن يكون الكاتب مؤمنا به قبل أن يلبسه موضوع يناسبه، والهدف يخص المتلقي بشكل عام، مفيدا له في حياته، أشياء عديدة عليه أن يخرح بها من خلال موضوع الرواية وما تهدف إليه، وإن خرج موضوع الرواية وهدفهاعلى أنها أحداث غير مترابطة وتصوير لأشخاص وهم يمارسون حياتهم بلا هدف يستشفه المتلقي، واستعراض ثقافي معلوماتي أو بلاغي، أصبحت هراء عدبم النفغ ومضيغة للوقت..
ثم تأتي مراحل التأليف، والتأليف بالفعل مراحل، مرحلة تخطيط، ومرحلة تنفيذ..
مرحلة التخطيط: وهي مرحلة غاية في الأهمية، إذ أنها تحتاج من الكاتب أن يكون ملما بموضوعه إلماما جيدأ، ويعد نفسه إعدادا كبيرأ للتخطيط بشكل يتناسب الموضوع فيه مع الهدف المرجو، ويتحدد الهدف وفق عناصر مدرجة في نوت خاصة، مقسمة إلى عناصر تنتشر كما ينتشر نور الصبح رويدا رويدا ليخفي ليلا حالكا، ويناسب الهدف كالجدول الرقراق بمائه الفضي منحدرا من مسالك ومنحدرات الموضوع الذي يصبغه ويتلاشى ويغطيه ببروزه في ثناياه، والموضوع هو العمل والفعل اللذان يبرزان الهدف..
تقسيم الهدف إلى أجزاء تتحد مع كل انتهى بانتهاء الموضوع، وعلى الكاتب أن يختار بيئة موضوعه ويحددها بما يليق مع شخوص العمل التي يختارها المؤلف بعناية واقتدار وفق الهدف الذي يتحرك الموضوع في أثره، وهنا عليه أن يبرز الزمان والمكان والشخصيات التي تتحرك وتفعل فعلها المحسوب مراعيا لبعدهما، ويحتاج لدراسة واعية لهذه الشخصيات المخلوقة من مخيلته خلقا أشبه بالحقيقة لجذب المتلقي ليرى البعض نفسه فيها، وكأنها تحاكيه أو تحكي عنه ـ فلا يصح مثلا أن يكون البطل جراح مشهور والكاتب لا يعرف يفرق بين البنسلين والأسبرين ـ أو البطلة راقصة ولا يجيد قاموسها اللفظي ولا المعرفي.. هذه أشياء قاتلة للإبداع في مهده، ولا تجعل المتلقي مقتنعا بأن المؤلف الذي يحدثه يسحره ويجذبه ويعطيه معلومة مفيدة أوأنه سيخرج من هذه الرواية بشيء لأنها لا تقارب الواقع ولا تمثله..
ثم يقوم الكاتب بتأليف الحكاية، ويجعل لها مواقف وأحداث تتطور وفق الهدف المرجو، وبإمكانه تسجيل بعض المواقف والحوارات المهمة التي تساعده على سرد جيد يخلق لها الحياة التي يشعر بصدقها المتلقي، وأيضا يرى أشخاصه وهي تمارس الحياة وفقا لموضوع روايته، أو بالأدوار التي وزعها عليهم ـ اختبار الشخصيات ـ حتى يهبط عليه وحي الإبداع، وينسلخ في مووضوع روايته انسلاخا كليا..
ثم يبدأ بتقسيم الرواية من خلال عناصر الهدف المقسّم إلى أجزاء، ويتناول كل جزء من الهدف على أنه فصل من الرواية ـ أي أنه يقسّم فصول روايته وفق لعناصر الهدف..
ثم تأتي مرحلة التنفيذ بتقسيم كل فصل في الرواية، أن يبدأ من نقطة معينة وينتهي إلى نقطة مهمة تجذب القاريء حتى يشعر أنه كان يجب أن ينتهي هنا، أو هذا الفصل كان يوضح شيئا ما على وجه التحديد، أو يكشف عن شيء ما، أو يعلن عن بداية صراع أو مشكلة.. ثم يقسم الفصل إلى مواقف وأحداث، وهكذا يفعل مع كل فصل من خلال توزيع عناصر وأجزاء الهدف..
ثم يبدأ في كتابة فصل فصل..
وأنا أرجح في مرحلة التخطيط أن يعمل قاموس خاص للرواية يدون فيه المعلومات الضرورية التي بحث واكتسبها من الحياة، وبيئة الرواية التي قام بدراستها، ومهن الشخصيات، وطبيعتهم وسلوكهم، وأيضا تدوين معلوماته الثقافية وخبراته التي تحتاجها الرواية يلمها إلماما جيدا، ويقرأ قراءة مستفيضة عن هذه المعلومات..
وربنا الموفق تحياتي للجميع
الدكتور مختار أمين
======
=========
تعقيبا على مقالة الدكتور مختار أمين الصادرة بتاريخ 20/09/2020 بعنوان: "زمن الرواية
التّخطيط لكتابة رواية ناجحة "
========
============
العنوان : هل الرّواية التاريخية تأريخا للأحداث أم تذويتا أم تذويبا للتاريخ في الخطاب لإعادة طرح أسئلة من جديد .. للتامل لزرع وعي آخر ..
دراسة شافية ووافية، أراد من خلالها الدكتور مختار أمين، تمكين الأدباء من آليات كيفيّة كتابة رواية ناجحة، بطريقة محترفة مستنجدا بالمحسّنات البديعيّة، كالجناس، والطّباق، والتّنغيم، والإيقاع، والصّور المجازيّة ، متّكئا على التّكرار و على المفعول المطلق، كأنّها عصى موسى " ولي فيها مآرب أخرى " أو مسطرة المعلّم، التي يضرب بها على المنضدة من حين لآخر، ليجلب انتباه التّلاميذ بطريقة بيداغوجيّة ذكيّة...
*(تحاكيه وتحكي )
*(رويدا رويدا)
*(ملما إلماما ) (يعد إعدادا ) (يلمّها إلماما )
*(يبدأ من نقطة وينتهي إلى نقطة )
*( لكتاب فصل فصل)
وقد خدمت منهجيّة بناء الموضوع، من الألف إلى الياء، مع الإيجاز شكلا، المضمون والموضوع بحيث ضمن كسب انتباه جمهور المتخصّصين من الرّوائيين، والنّقاد كما المتطفّلين على حدّ السّواء ليهذب الذّائقة، وتعمّ الفائدة في شكل بسطة مبسّطة، ليَعلمُوا ويتعلّمُوا كيفيّة إجادة صنعة الرّواية، لمن يُجيد بالفعل حرفة الحكي، لأنّ الإلمام بكلّ التّقنيات، لا تصنع حكاءً، ولا قصّاصًا، ولا روائيّا لأنّ فنّ الحكي ملكة ربانيّة، معطى يصقل، ولكن لا يدرّس، وعليه، فلمن توفّر فيه هذا الشّرط ولغيره أن يعلم، أنّ الرّواية تنقسم إلى مرحلتين رئيسيتين أوّلهما التّخطيط وثانيهما التّنفيذ ...
وقد استهلّ المقالة بالتّأكيد على ضرورة أن تكون الفكّرة والموضوع، يصلحا ويليقا بجنس الرّواية من حيث كثرة الأحداث، وتعدّد المواقف، وتنوّع الأمكنة،والأزمنة، والإلمام ببيئة كلّ شخص اختاره، بلغته وبكل تفصيلة تخصّه وتخصّ أمثاله، كطريقة عيشه، في محيطه بدءا من لغته، إلى سلوكه، ونمط تفكيره، وما يشغله، وما ينشغل عنه، بحكم وضعه ووضعيّته حتى يقنع، ويقتنع كلّ مارٍّ بباب روايته ...
كما ختم المقالة بالتّعريج، على ضرورة تدوين الخطوط العامّة للرّواية، لكي ينجح كلّ ما وقع طرحه آنفا، لذا عليه، أن يستعدّ لذلك، بإعداد كنّش أو مفكّرة ، يلمّ فيها كلّ ما توفّر لديه من معلومات و خبرة، كانت مخزّنة في ذاكرته،أو جمّعها، حتى يستغلّها لتُثري عمله، عندما يستنجد بها، من دون عناء، ساعة الرّغبة في ذلك، حتى لا ينشغل بالبحث عنها، فيُتلِف استرسال حبل أفكاره، وقت الانغماس في الكتابة. إلى جانب تسجيل كلّ ما يتعلّق بالشّخوص، من معلومات، وكلّ ما يهمّ الموضوع تنضيدا، وتاريخا تأريخا وبيئة ولباسا، وأمكنة وأزمنة .. حتى لا يخرج النّصّ أعرجا أبترا ، غير متناسق ويتدحرج ... فكلّ التّفاصيل الدّقيقة، هي التي تميّز رواية عن أخرى، وتشدّ من أزر الرّوائي، وتنبّّهه، وتكسبه الوقت وتذكّره، -كالتليسكريبت بالنّسبة للمخرجِ - حتى لا تلتبس عليه الأمور، ويحيد ويخطئ كأن يقول البطل مثلا الشّيء وضدّه، من دون أن يشعر الرّوائي، أو يخطئ في إسم من الأسماء، أو في سنِّه،أو عمله ومهنته وحالته المدنيّة، أو في مكان من الأمكنة، من دون قصد، نتيجة عدم الانتباه، فينزعج المتلقّي وينسحب، لعدم جدّيته، إذ سيعتبره استخفافا به .. إلى جانب ضرورة الإنتباه إلى طريقة عرض وطرح المنتوج بطريقة مغرية ، فالإنتباه إلى التّواصل مهمّة جوهريّة، كذلك حسن توظيف الحوار، فحتّى الفواصل والتّقسيم والتّبويب، وكلّ عنصر في كلّ فصل مهمّ، وله مهمّة، لذا كان لزاما على الرّوائي، أن يعدّ بحثا جادا دقيقا مستفيضا حول موضوعه، وشخوصه، وبيئتهم ولغتهم وحركاتهم وسكناتهم والأزمنة التي يتحرّكون فيها، والتي تدور فيها الأحداث، حتى لا تنفلت منه الشّخصيّة وتسقط الرّواية تقنيّا، فالهدف إذا مهمّ، ولكنّه يبقى جزء من الكلّ، والكلّ جزء لا يتجزّأ من الوحدة، فكلّ ما كانت أجزاء الفصول مكتملة، ومتقنة، بطريقة حرفيّة جيّدة احترمت القواعد، فكلّ ما كان الفصل ناجحا، وشدّ المتلقّي إليه، كلّما كانت الرّواية أكثر حظا لضمان نجاحها، واستمالة القراء، إليها وأظهرت عدم استخفاف الرّوائي بهم،. ذلك أن الرّواية عمل طويل، وقد يدوم إنجازه ويستغرق أشهرا، وربّما سنوات. والالتباس والنّسيان وارد، خلال تلك الفترة الزّمنيّة المطوّلة نسبيّا ، كذلك قد تتطوّر الفكرة، لديه فلا يغفل عن التّعديل كلّما اقتضت الضّرورة. لذلك كان لا بدّ أنّ يتوقّع ذلك، ويستعدّ حتى لا يقع في أخطاء تقنيّة تسقط العمل فنّيا... فالفكرة لا بدّ أن تبتدِئ بقوّة، وتنتهي بمفارقةٍ، وأن تكون لها نقطة بداية ونقطة نهاية، حتى لا يأتي القصّ باهتا، ناعسا، بليدا، ركيكا، يتلف التّوهّج، ورغبة القارىء في متابعة بقيّة الفصول لمعرفة النّهاية .. ذلك أنّ كلّ فصل هو جزء من الهدف، أو المشروع، فمن المهمّ أن تكون المقدّمة تطرح الإشكاليّة، أو الصّراع بدقّة، وبحرفيّة، بشكل جذّاب، ماتع يعتني بكلّ التّفاصيل، ليحفّز القارئ على حبّ الاستطلاع.. عبر "قاموس" لغويّ يتماشى مع جوهر الموضوع، متماشيا مع نوع الشّخصيّة أو الشّخصيات.
وقد خصّص جوف المقالة إلى الحديث عن ضرورة:
* إيمان الكاتب بالموضوع، الذي سيكتب عنه، حتى يستطيع أن يبثّ فيه روحا، لكي يدخل بقوّة، ويستطيع أن يبحر، ولا يفشل في منتصف الطّريق، فيغرق وتطفو جثّة الموضوع ، على سطح الماء كغريق لايجيد السّباحة ، فيقذف به الموج خارج البحر فتذهب ريحه ويتبخّر، وتندثر فكرته ورؤيته.
* لا بدّ أن تكون لديه مادة يؤثّث بها روايته أحسن تأثيث مقنع ..
* لذا عليه أن يبدأ بالتّخطيط والإلمام بالموضوع والإحاطة بكلّ جوانبه، حتى يكون غزله منسجما، ولا تنفلت منه أيّ غرزة، بفعل التّساهل أو التّهاون.
* لذا كان لابدّ للرّوائي الذي يحلم برواية ناجحة أن يكون مشحونا برؤية وهدف ورسالة وإلّا كان "العمل عديم الفائدة..."
لا بدّ إذا أن لا يصل المتلقّي إلى الرّؤية من البداية ويتوقّع نهايتها من الفصول الأولى ...
لذا عليه أن يتدرّج بالفكرة رويدا رويدا..
كانبِلاجِ الصّبح قبل اكتساح الضّوء الذي تنقشع على إثره العتمة...معتمدا التشويق والمراوغة في حبكة راقية ....
فالحوار، لا بدّ أن يُعتني به أحسن اعتناء، ذلك أنّه يعكس مدى قدرة الكاتب على خلق شخوصه، ومدى نجاحه في مقدرته في قيس نسبة قوّة الرّوح المبثوثة فيهم، ومدى قدرته على تفعيلهم،
للحمل بفكرته وإنجاب مولود قويّ، واضح السّيمات، محافظا على الجينات، والخصائص، غير مشوّه، يعبّر عن فكرته، بحيث يَجِدُ فيهم القارىء نفسه، أو يعبّرون عمّا يخالجه، فأصوات الأبطال، هي نموذج لما هو موجود في الواقع، نقله الكاتب إلى التّخييل لأجل التّغيير وتجسيد وتجميل واقع آخر يحلو فيه العيش ...
فقد ساهمت الرّواية إلى تحرير العبيد في الولايات المتحدة وبقيّة العالم. وكذلك إلى منح الدّول المستعمرة الاستقلال ..
فمن الضّروري أن يكون هذا بواسطة لغة تسحر المتلقي وتُنشِيه. فحسن تقمّص الأدوار ضروري لنجاح الرّواية ..
كذلك تهوية الرّوايةلمنح المتلقي فرصة التّنفّس والهضم، بالحرص على تقسيمها إلى أقسام، ومن ثمّ إلى فصول، مرورا بعناصر، ليكون العمل منطقيّا، متطوّرا، منهجيّا، ناجحا في تبليغ رؤية الكاتب، وهدفه لأنّ الأدب بالأساس رسالة، ومأساة، وحمل همّ وإيمان بالدّفع، نحو التّغيير بالفكر، عبر الإيهام بصدق المتخيّل، لجذب المتلقّي الذي يبرم معه عقدا، و عهدا، فكلّ واحد فيهما يعلم حدوده، والمسافة التي تربطه بالآخر من خلال العمل ومدى نسبة الواقع والواقعيّة، في النّص، لأنّ الإيهام مطلوب لتحليّة مرار الواقع، وإلّا تحوّلت الرّواية إلى مجرّد خبر ونبإ في صحيفة، أو مجلة مختصّة، أو كتاب تاريخ ...
فالتّاريخ في الرّواية، هو في الحقيقة تذويت، ورؤية وإعادة تركيب، للتّفصيل ولتفكيك الغامض من الأسئلة، التي طُرحت في السّابق وربّما في الحاضر، وعلّها ما زالت تشكّل همّا وأرقا، لدى العامّة والخاصّة، لتربط مع أصل بداية ظهور الإشكال في الماضي القريب، و البعيد، لوضع المتلقّي في الإطار الصّحيح، من حيث الحيثيات، ليجد نفسه في مواجهة مع نصّ يدفعه إلى التأمّل، للمقاربة والمقارنة، في نطاق بوليفونيّة من الأصوات، عبر رؤية ديمقراطيّة، من أجل إحداث وعي جديد، يكون أكثر نجاعة، لأنّه أي الكاتب وفّر له المادّة التي جمّعها من رفوف الذّاكرة الجماعيّة، الحاضرة، التي كانت توفّرت في السّابق، أو المخفيّة والخاصّة، وسلّط عليها الضّوء، من زاوية معيّنة، بعد أن نفض عليها الغبار... -وخلّصها من اللّجام امفروض والمسكوت عنه بفعل حق حرية ممارسة التعبير -كما جاءت به رواية" الديوان الاسبرطي" للروائي الجزائري" عبد الوهاب العيساوي" الذي وظّف حادثة نبش القبور الجزائريّة من طرف "المَالطِيِين" وتجميع عظام الجزائريين، ونقلها إلى ميناء "مارسيليا" عبر باخرة جوزفين - نقلا عن مقالة كانت نشرت سنة 1833 - بقصد إدماجها في مادّة السّكّر، ليكون أشدّ بياضا.. وقد أراد الرّوائي من خلال ذكرها في بداية روايته رجّ المتلقّي والعالم بإعادة إحياء تلك الواقعة البشعة في الأذهان، من خلال مشهديّة مقززة، بغرض إعادة النّظر في الحدث من جديد، من أجل صياغة جديدة للسّؤال، أوالأسئلة التي ظلّت غامضة، أو ربّما على الأرجح نُسِيت، أو تناستها الذّاكرة الجماعيّة باتّباع طريقة طرح جديدة أخرى، ليذكّر بألم وشعور الشّعوب وما تخلّفه من شجن في النّفوس ..
وكم أودّ أن ينجز لنا الباحث الناقد المختص الدكتور مختار أمين بحثا عن حقيقة مدى صحّة أن نطلق على رواية ما صفة الرّواية التّاريخيّة، حتى وإن لم تحتو على هوامش ؟ وهل حقّا أنّ الهوامش تشغل القارئء عن متابعة الحكائيّة؟ كما جاء على لسان بعضهم؟! وهل التّأريخ والتّواريخ وصياغة بعض الأحداث والمواقف التاريخية من دون ذكر مصادر تشفع للرّواية، حتى نطلق عليها صفة "الرواية التّاريخية"؟ وهل التّاريخ في الرّواية تأريخ ؟أم ضرورة و تذويب ؟أم مجرّد تذويت ؟....
في الختام لا يسعني إلّا أن أشكر الدكتور مختار أمين
على هذه المقالة، التعليميّة المهمّة... التي على بساطة أسلوبها، كانت بليغة، وعميقة، بشكل دفعتنا دفعا، نحو طرح أسئلة مهمّة، خاصّة بعد موجة الرّبيع العربي وحرب الخليج، التي جعلتنا نرى بعض الكتّاب من الرّوائيين انساقوا وراء موجة توثيق بعض الأحداث، في الهنا والهناك، ك"رواية جمهورية كأن" للرّوائي المصري "علاء الأسواني"، أو "بغداد وقد انتصف اللّيل فيها" للروائية التونسيّة "حياة الرايس"، وغيرها من الرّوايات التي يقيمها البعض على أنها تاريخية ..ممّا جعل النقّاد يختلفون حول تجنيس هذا النّوع من الرّوايات ونعتها بالرّواية التّاريخية ، ومدى مصداقيّتها ودرجة موضوعيّتها وعن إمكانيّة اعتمادها في المستقبل من قبل المتخصّصين ... وقد عرف عن الأدب عموما التخييل ...
في علم الاجتماع أو التّاريخ على حدّ السّواء!....
سهيلة بن حسين حرم حماد
تونس / سوسة في 26 /09/2020
=======
==========
تعقيب الدكتور مختار بتاريخ 27/09 /2020
ما أروع ما قرأت يا أستاذة..
وأقول أن الرواية التاريخية في الأصل هي تسجيل لأحداث تاريخية حدثت في الواقع، وتأريخ لحقبة زمنية وواقع أناس بعينهم لم يكن تسجيلا حرفيا كما كان في الروايات القديمة كما كان في رواية علي الزيبق ومحتسب مصر، ولكن هي أقرب لما سجله نچيب محفوظ عن الحارة الشعبية وعصر الحرافيش في مصر، وأحوال الناس أبان تغير النظام السياسي في رواية القاهرة ٣٠ مثلا، ورصد أحوال الناس في رواية قنديل أم هاشم ليحيي حقي، في الصراع المقام بين العلم وعادات الناس المتأثرة بارتباط الروح بعالمها الباطني والتمسك ببركات آل البيت، والتأريخ الصريح لخروج إسبانيا من الدين الإسلامي في رواية غرناطة لرضوى عاشور..
وهذا مثل لثلاثة روائيين في أعمال مختلفة بتنوع الرواية التاريخية منها ما هو تاريخي شكلا، وما هو تاريخي في المضمون..
إذ أننا نصل بهذا العرض المتنوع للرواية التاريخية إلى تسليط الضوء على قدرة الرواية التاريخية في حصر حقبة زمنية معينة هي محور الموضوع، هذا أمر..
الأمر الثاني: دراية سلوكيات الشخصيات وأفكارها داخل الرواية أبان هذه الحقبة، وهذا يتطلب دراسة عادات الشخصيات بحذافيرها، وقاموسهم اللغوي وملبسهم ومأكلهم ومشربهم..
الأمر الثالث وهو الأهم كأدب مكتوب دراسة عملية التغير في سلوك وفكر الشخصيات، واتجاهاتهم الفكرية التي سوف ستجد بالمقارنة للحقبة الزمنية السابقة عن هذا التاريخ وما سيؤول إليه التغير المجتمعي..
وهناك شق مهم في إعداد الرواية التاريخية قبل عملية الكتابة على الورق، هو أن يزود الكاتب نفسه بالكتب والمراجع للإلمام الجيد بالمرحلة، وليس بالضرورة وضع أسماء الكتب والمراجغ في فحو الرواية