الثلاثاء، 3 نوفمبر 2020

قراءة نقدية في رواية ثلاثية اللوحة الفارغة للأديب العراقي عبد الرضا صالح محمد بقلم الكاتبة الجزائرية زهراء كشان

 قراءة نقدية في رواية ثلاثية اللوحة الفارغة

للأديب العراقي عبد الرضا صالح محمد
بقلم الكاتبة الجزائرية زهراء كشان
القارئ لهذه الرواية ثلاثية اللوحة الفارغة و كأنه زائر لمدينة مزدحمة تنضح بالتفاصيل و الألوان أو متجول في حديقة غناء تعبق أزهارها برائحة المسك و العنبر.
برؤية فلسفية نبدأ رحلة القراءة و نستعد للغوص في أعماق النص، نتوغل بين السطور ، لنجد أنفسنا أمام رواية لا تشبه الروايات، خارقة سحرا و إبهارا، أبدع الكاتب في تصور أحداثها و عرض المواقف فيها في هدوء و جمال ، جديرة بالقراءة .
العنوان فلسفي ثلاثية كلمات يدفع القارئ على المضي السريع غير المنقطع لمتابعة القراءة ، هو عبارة عن مثلث كلمات يدلي بها الكاتب في زحمة الأفكار رسالة يبعث بها إلى القارئ ضمن الرسائل التي تكتنف الحروف و تختبئ بين السطور في نص الرواية ليفك طلاسمه في الفصل الثالث يطفو معناها و يتضح الهدف حيث نعرف أنه يقصد الوجوه الثلاثة ثلاثة أبعاد للوحة الواحدة.
تتضمن الرواية سبعة فصول في شفافية و التزام بالقواعد الصحيحة للكتابة يستهل الكاتب كل فصل بمقولة لفيلسوف ،أختار لكم من بين هذه المقولات ما راق لي الفصل الأول:ليس ثمة ألم أعظم من الأوقات السعيدة وسط الشقاء و البؤس . دانتي اليغيبري
عرض الكاتب أوجه التشابه و الاختلاف بين الواقعية و الرومانسية محافظا على الخصائص الفنية و المبادئ على مستوى وسائل التعبير الأدبية.
زينب ومختار وجهان لصورة واحدة ، زينب هي الشخصية الرئيسية في الرواية هي المرأة العاملة التي فقدت زوجها في انفجار هز وسط مدينة الموصل بالعراق، حيث قدمت استقالتها وتفرغت لإكمال رواية لم ينهها زوجها مختار رواية ثلاثية اللوحة الفارغة تقمصت أفكاره و رؤاه
مختار و هو أيضا شخصية أساسية في الرواية هو شاب ذكي و حاصل على شهادة جامعية عالية ضابط مجند و رسام ماهر تخرج من أكادمية الفنون الجميلة ألقي به في السجن دون أن يعرف موجبات سجنه ، تزوج من زينب لم ينقض الأسبوع عن زواجهما حتى سقط شهيدا في انفجار مدمر .
البناء الفني و الموضوع الذي تعالجه الرواية أسلوب النص و عباراتها في تناغم و انسجام ، الأحداث المؤثرة ذات دلالة على أبعاد ثلاثة متباينة من رؤى و شفافية الفكرة و جمال اللغة، فتتسع الدلالات بوعي ووضوح في الاستقراء و سمات كثيرة يتشبع بها النص تمنحنا الاستدلال و الفهم و تحثنا على التركيز و تحفزنا على متابعة القراءة، أساليب التعبير المختلفة التي تضفي جمالا على النص، كلمات بالعربية الفصحى غير مألوفة لكنها واضحة و مفهومة تدل على الرصيد المتنوع الذي يحتفظ به الروائي في بنك لغتنا العربية الفاخرة ، الأفكار متسلسلة و مرتبة ،الجمل مكملة لبعضها في أناقة و بهاء
اعتمد الكاتب النمطين السردي و الوصفي و استعان بخياله الخصب لبناء أحداث استمدها من الواقع مرتبطة بظروفه و بيئته، سادت نزعته الإنسانية و الدينية على أغلب المواقف، اعتمد بعض الوقائع التي عاشها مما ميز كلماته بالصدق ،
توشك النهاية أن تكون حزينة بموت مختار دون أن يكمل روايته إلا أن الكاتب يتدارك و يفاجئ القارئ بنهاية تبهج الصدر حيث تكتشف زينب أن مختار الصغير مختبئ في أحشائها و هي لم تكن تشعر بوجوده فتنتظر ميلاده و تنجح في إكمال الرواية وطباعتها في إحدى دور النشر.
نبذة عن الكاتب
من خلال هذه الرواية يتضح للقارئ من الوهلة الأولى أن الكاتب يحب الوطن و يتعاطف مع المرأة بمقولته الشهيرة التي قالها أمير المؤمنين علي لابنه الحسن عليهما السلام عن المرأة - المرأة ريحانة وليست قهرمانة-
عبد الرضا صالح محمد من العراق روائي و فنان تشكيلي ، يكتب القصة القصيرة والقصة القصيرة جداً يهوى الرسم والنحت ولعب الشطرنج، ورياضة المشي
بفضل جهوده الفكرية و الفلسفية و الأدبية ومن خلال كتاباته المميزة استطاع أن يرسم الأثر بالألوان في الحركة التاريخية الاجتماعية الثقافية و الفنية و مازال قلمه النابض يرقى للمساهمة في نهضة ثقافة عربية راقية
بما أنّ الأستاذ عبد الرضا صالح صاحب قضية اجتماعية وإنسانية و عادة ما يكون موضع الكاتب هو بمثابة الموجِّه فهو ينصح الآخرين ولشريحة الشباب من كلا الجنسين بالخصوص بالحذر من الأفكار الغربية التي تسيء للعروبة والإسلام، والتحصّن بالعلم والمعرفة لصالح بلداننا العربية.
ـ
L’image contient peut-être : 1 personne

الثلاثاء، 20 أكتوبر 2020

حسن نصر شاعرا من خلال ديوانه " أعياد الفصول " ديوان تمرد على ألسنة اللهب وهو رحيل على وقع نشيد الحرية- قراءة الكاتبة ريم العيساوي

 حسن نصر شاعرا من خلال ديوانه " أعياد الفصول " ديوان تمرد على ألسنة اللهب وهو رحيل على وقع نشيد الحرية- قراءة الكاتبة ريم العيساوي

عرفنا الكاتب حسن نصر قاصا وروائيا وهما وجهان متلازمان. وقلّ من يعرفه شاعرا، لهذا ارتأيت الكشف عن شاعريّته وموقعها ضمن مساره الإبداعيّ الشّامل ،من خلال ديوانه " أعياد الفصول " الصّادر في طبعته الأولى سنة 2013 م ، عن الدّار التونسية للكتاب والّذي يضمّ130صفحة ،وثلاثا وثمانين قصيدة متفاوتة في الطول: (قصائد ومضات
من 5 أسطر شعرية إلى 10، وقصائد أخرى متوسّطة الطول . وأطول قصيدة هي قصيدة : "( المنارة ) تعدّ 190 بيتا ص 104 .
كما ألحق الكاتب بديوانه ثلاثة نصوص نثرية وهي شارعنا الكبير )ص31، نص مكثّف يصف فيه شارع الحبيب بورقيبة ومظاهر الحياة والجمال والتقاء كلّ الشرائح الاجتماعية فيه موثّقا لأهم حدث وقع فيه وهي ثورة 14 جانفي
ونص الطريق إلى شنقيط ص 55-56 ) نص مكثّف الشّعرية ، عميق الرمزية يرسم فيه رحلة صحراوية غنية بالصور الشعرية والحركة والإيحاءات .
ونص عربة الحرية ص 117-118) سرد فيه قصة البوعزيزي بتفاصيلها وعناصرها الأسلوبية مستبشرا فيه بالحرية .
وإن تأخّر نشر هذا الديوان وعرف مؤلفه تردّدا في طبعه فهو علامة مضيئة وإضافة لتجربة الكاتب الإبداعية الجديرة بالقراءة والدّرس بما تضمّنته من عناصر جمالية ساهمت في إثراء مسيرته وتعميقها .هذا وقد قدّم حسن نصر ديوانه بتمهيد عنونه ب " كلمة " واصفا فيه قصائده بالقول هي :
" انفعالات تعبيرات ، ومضات خاطفة تمرّ بي ، بدأت معي منذ أيام الشباب وبقيت معي تعود وتختفي أتغافل عنها زمنا كأنها لم تكن ، ثمّ أعود أكتبها ، حتى أنّني في مرة وأنا أقف لأتلف ما تجمّع لدي ّمن مسودات ، تناولتها وكدتأقذف بهافي لهيب النار ، لكنّي تراجعت " ص 7
ولولااستعادة كاتبها الوعي بوحدة الأجناس التعبيرية والتماهي بين فنون القول لما رأى الديوان النور .كما كان وعي الكاتب حسن نصر بالوظيفة الشعرية في الغوص في جوهر الإنسان وعلاقته بالوجود ، حصنا منيعا حال دون حريق مملكة شعره وعكس إيمانه برسالة الفن وهي "تعرية الحياة وكشف أسرارها والغوص في أدقّ خلجات النفس وتناقضاتها".
ما أشدّ قساوة وقوف شاعر أمام جبروت اللّه في لحظات التردّد لمحو صفحات من حياته ،فلذات روحه وبنات فكره ودرر خياله ،إنّه لحظة متأرجحة بين البقاء والفناء جسّدها صاحبها بقوله:" كما تولد الحياة من قرارة الكهوف والصمت ولدت هذه النصوص من غفلة النسيان والترك " ص 8
وما أقسى لحظة إفناء الذّات والحياة ! وما أروع لحظة اعتكافنا على حروفنا لنفخ الروح فيها ! هكذا تمرّد ديوان حسن نصر على ألسنة اللّهب وانفلت ليستقيم دوحة وارفة من جنى الشعر.
فالديوان تجربة استمرّت عبر سنوات عمر الكاتب ( امتدت من سنة1956- 1957-1958- 1959- 1960 - 1961-1962 - 1964 – 1968- 1969- 1973 –1975 -1979 - 1984 - 1996- 2011 -إلىسنة .2013
تمتدّ القصائد من فترة الاستقلال إلى ما بعد ثورة 14 جانفي .
القراءة :رحيل على وقع نشيد الحرية
تنوعت المضامين الشّعرية في ديوان "أعياد الفصول" ومنها( الحب الإشادةبالعمل . البعد. الغربة . التغني بجمال الطبيعة ومواسم الأعياد بها . الأمومة .حالة الانتظار.علاقة السّياسة بالدّين .الطفولة .لحظة الإلهام الوحدة– البحر – الصحراء ..الخ) فقد ضمّ هذا الديوان قصائد عديدة ومتنوعة بمضامينها الوطنية،والوجدانية ،والقصائد الاجتماعية ،بيد أن الرؤية العامة في هذا الدّيوان تتألّف من بعدين أساسيين هما: البعد الوطني والبعد العاطفي،وهما يمتزجان معاً امتزاجاً عضويا ًبارعاً ؛الأمر الّذي ضمن لهما درجة عالية من النضج والعمق والتكامل.
و هما المضمونان الأساسيان ، قطبان يتراوحان بين معاني الرحلة ونشدان الحرية ، ومن خلالهما تبوح القصائد بوظيفة الشّعر ألا وهي رحلة المبدع إلى عالم الانعتاق والحرية وممّا جاء في الإهداء-وهو أول عتبةنصية-فيالديوان :" إلى كلّ من أحبته نفسي / وكلّ من أحبّ/ حرية الاختيار .." ص 5
كماورد في كلمة المقدّمة."إنّها مواصلة للسّير على وقع كلمات الحرية "ص8
من معاني الرحلة :تدور جلّ القصائد في فلك الرحيل وتستند على معجمها اللّساني و حقوله .و من معجم الرحيل على سبيل المثال لا الحصر : ( القطار – يصفر – أزيز – يطوي –يعبر – أرحل – شراع – مراكب –تذكرة- غياب – محطة – رصيف الخ)
وليس اعتباطا أن يستهلّ الشّاعر ديوانه بقصيدة " يمرّ القطار " :{وإذ يصفّر القطارمن بعيد /وأسمع أزيزه /ثمّ يمرّ مسرعا / يطوي المدى ويعبر / ألتفت بالنظر تجاهه أشيّع / أحسّه لمن أحبّ يهرع / أحسّ قلبي يخفق /يكاد من مكانه يقتلع / أحسّني مع القطار أرحل ."} ص 9
إنّها رحلة الوعي بتجربة الحياة وضرورة مواكبتها في سيرورتها، وهي رحلة بلا حدود ولا قيود وكثيرا ما تكون بلا عودة .
وتتجلّى رحلة الشّاعر في أبهى معانيها وأجلّها في سبيل البحث عن الحرية الموعودة وقد نحت صورتها السّاحرة متجلية في مظاهر الطبيعة : ( قصيدة شراع ص 17)ومنها: " لعينيك أحكي عن الريح / تداعب شعرك / تهزّشراع المراكب / عن اللقلق الأبيض / يحلّق فوق مياه القنال / والقصور تطلّ بأبراجها / من قديم الزّمان / على ال" البوسفور " / وعلى القرن الذهبيّ / وأبحث عنك /فألقاك عنّي بعيدة / أنت يا حريّتي الموعودة . "إسطنبول 1984
إنّ المعاني الشّعرية المتّصلة بالرحيل تنبع من تأمّلات الشّاعر الفاحصة لحركة المسافرين ونقل أدقّ التفاصيل الرامية لتلك الأبعاد الوجودية والاجتماعية لمسألة الرحيل ،وهي رصد لعلاقة الإنسان بالمكان وما تبديه من تناقضات وتتكاتف حواس الشّاعر لرسم الرحلة في أدقّ تفاصيلها صورة الحياة في ذروة تصاعدها وعند نقطة سكونها .هي صورة إيقاع الحياة بين الحركة والسّكون . صورة معبرة عن حتمية الفناء وتتجلّى هذه الفكرة في قصيد " في المحطة " الذي يختمه قائلا :" حفاوة ومحفل / والأرجل تستبق / كأنّ مهرجانا بالحياة ينبض ./ ومن جديد يبدأ القطار / يستعدّ للقيام / ويطلق صفارة الرحيل ، يرحل ./ تبقى المحطة خالية / كراسي فارغة / والريح فيها تخفق / " ص21
وللقطار مكانة في نفس الشّاعر ،لأنّه صلة الوصل بينه والحبيبة:{ وليت إذا ما هاج قلبي / لذكرها /ذهبت إليها عاشقا / لأزورها / فيحملني ركب القطار لدارها / أرى الأرض تطوى لي / ويدني بعيدها } .
وفي إطار هذا المعنى يؤكّد حسن نصر ظمأ الإنسان للحياة وللحبّ، وهذا الظمأ لاينتهي إلاّ مع الموت :" قصيدة عطش" :(لنترتوي حتى الموت/
لآخر قطرة في الماء /لآخر رشفة في الحبّ / لن ترتوي لآخر كأس / ويزداد بك العطش ) ص 22 .
ولحضور القطار في الديوان أبعاد كثيرة و اقترانه باللّيل والمطر لا يخلو من دلالة ..إنّ محطة القطار تحتلّ أهمية محورية في الديوان وهي الفضاء الأثير الّذي تتحرّك فيه القصيدة وليس تكراره في صدر كلّ بيت في قصيدة
( على رصيف المحطّة ص 27) اعتباطيا فهو بمثاية الإيقاع المتناغم وإبراز دلالات المكان ورمزيته وخاصة في اقتران المكان بحضور الحبيبة ، فيتخلّص المكان من دلالته المادية الجغرافية ويصبح منبعا للأحاسيس الإنسانية والذكريات، وتصبح المحطّة هي البداية والنهاية والشّاعر في رحلته بين قطبيها يعيش حالة انتشاء وهيام ووجد وتصبح المحطة موطن التأمل ومنبع الإلهام :
قصيدة: ( على رصيف المحطة ) ص 29"
(ومن بحار المحطّة * شربت ما قد كفاني
وكلّ ما في المحطة *وفي يدي ولساني
سينتهي للمحطة * لكلّ شيء أوان )
وفي علاقة الشّاعر بالمحطة يتغنّى بعمال السّكة الحديدية ويفخر بسعيهم ويشيد برسالتهم في فتحهم لدروب الحياةوتمهيدهم الأرض للإنسان :" يفتحون دروب الأمل / يمهدون الأرض للإنسان / لمصالحة أخيه الإنسان " ص35
وإن تبوح بعض القصائد بفكر إيديولوجي معيّن فهي لاتخفي البعد الوجودي للسّفر كما جاء في الشّعر العربي القديم .
إنّ الرحلة في ديوان ( أعياد الفصول )تواصل في الزمان وفي المكان مع الإنسان للوصول إلى جوهر الوجود ألا وهو الحياة الحرّة .وتتّضح غاية رحلة الإنسان في الكون من خلال قصيدة ( عبر المدى ص 89) والتي يوثّق فيها أول رحلة بحرية له ،يستهلّها ب ( انشر شراعك للسفر / عبر المدارات البعيدة / للبحار / ويختمها ب ( وارسم لنفسك ما ترى / مستقبلا ،فكرا به تتقدم / وتكون حرا ) .
التوق إلى الحرية :
تكشف قصيدة " الانتظار "ص 12،أهمية الحريّة في حياة الشّاعر والإنسان عامة ، فيها كشف لتلهّف الذّات لإدراكها والسّهر والمجاهدة في سبيلها . ويحدّد الشّاعر حسن نصر منبعها جسّده في نبع الأمّ الصّافي فعلى يديها يتلقى المرء أبجديّتها ، من قصيدة ( عشق قديم ) ص 15 :" أخرج من السديم ومن برج الدلو / من غشاوة فجر الخميس /لأستحم في أحضان أمي / لأنهل من لبنها / وأتمرغ في بياض صدرها / وأغرف من حنان صوتها {..}تعلّمني فنون الكلام / والمشي والغناء /../كيف أزرع الوردة / وأطعم القطة وأتدبّر أمري مع الأحياء / ثمّ تطلقني حرا / فأطير محمولا بكفّ الريح / لأواجه الدنيا على نمطي / وأعيش فيها كما يقول لي نظري ./ ص 16
وعمّق الشّاعر ظمأه للحرية في قصيدة ( عطش في الدماء ) ( قصيدة عمودية على بحر المتقارب .ص 41 – 42 ، بمثابة لوحة مكثّفة الإيقاع والدلالات تمنيت لو أنّني كنت حرا/ أعيش كما شئت عيش الغجر {..} وإنّ الحياة بها الحر يحيا / عزيزا كريما بكل الصور / فحريتي من عطاء السماء / وحق إلاهي لكلّ البشر / وحريتي عطش في دمائي / ينادي ويصرخ طول العمر ) .
وفي قصيدة ( هو) قصيدة مسترسلة متماسكة الوحدة العضوية ينحت فيها الشاعر للحرية تمثالا رائعا نحته في شكل ملامح بطل شبه أسطوري :
"(أعرفته ؟!ذاك الّذي يطوي الطريق / يمضي إلى الأفق البعيد . جبهة عريضة عالية / ابتسامة ترفرفر بين العشب .نظراته ! جمرتان تبعثان الدفء في ليل الشتاء ./ ملامحه !يا لسنابل القمح تتماوج / صوته هدير الموج تتدفق / خطواته أواني الزنك تتقارع / يمضي إلى الآفاق البعيدة / إذا لم تكن قدعرفته / فذلك هو ابن الحرية /. ص 47 .
وتمثّل قصيدة ( قبلة ) ص 48 صورة التحرّر والتمرّد على السّائد .
وتعمّق القصائد الوطنية الموثّقة للمقاومة أو المواكبة للاستقلال أو بعده مضمون الحرية مرتبطا بمفهوم التضحية والشّهادة في سبيل الوطن .
لقد أكسب الشاعر قصائده طابعا خاصا لسلاستها ،فهو قادر على أن يبعث في المفردة المنتقاة نبضاً متجدّداً ،وجوّاً ثرياً ،بالإيحاء من توالد الدلالات الغنية. كما تميّزت قصائده بالصدق ،والطابع الرومانسي الحالم والشفافية، و بالرقة والعذوبة وعمق المعاني والصّور الشعرية المشرقة والمكثّفة .
ومن الظواهر الفنية البارزة في هذا الديوان المراوحة بين الإيقاع الموسيقي التراثي والمعاصر،فقد تراوحت قصائد الديوان بينهما مجسدة في وحدة الوزن و وحدة القافية وبين شعر التفعيلة والشعر الحر الذي تتنوّع فيها القافية أحيانا و تستغني عنها أحيانا أخرى،إنّه الجمع بين الأصالة والحداثة.
واستطاع الشاعر حسن نصر بفضل موهبته الفنية،وثقافته الواسعة ومقدرته اللغوية وبأسلوبه الأصيل أن يقدّم تجربة شعرية ناضجة ويسمو بها نحو الإبداع والتجديد ليلائم مقتضيات التطور والحداثة في المسيرة الشعرية المعاصرة. وديوان" مواسم الأعياد" ما هو إلا بطاقة تعريفية شعرية لروائيّ وقاص ذي باع طويل،استطاع فيها تقديم قصائد عذبة تنشر روحا للأمل والتحدّي .ديوان ( مواسم الأعياد ) رافد ثري وإضافة جديدة لمسيرة حسن نصر الروائية والقصصية .
L’image contient peut-être : Reem Aissaoui, texte qui dit ’egend Biography OF YHE PROBASHIRDIGANTA’

السبت، 17 أكتوبر 2020

قراءة سريعة في ثلاثية القاصة / إيناس سيد جعيتم " بريق فضي خاطف " بقلم الناقد محمد البنا

 قراءة سريعة في ثلاثية

القاصة / إيناس سيد جعيتم
" بريق فضي خاطف "
بقلم / محمد البنا
............
من المعروف عن تقنية القص القصير بنوعيه القصير والقصير جدًا، الدخول مباشرة إلى عمق الحدث، دونما توطئة أو استهلال، وإن كان لا بد، فالقليل منه يكفي لإلقاء لمحة مؤثرة لها ضرورتها، أما وأن يستمر الاستهلال لفقرة خبرية كاملة، ويلحق بها بعض جمل، فهذا ما لا يطيقه نص قصير.
وهذا النص الجميل الرائع في مغزاه ومدلوله الآجتماعي والإنساني، والبسيط في عرضه وسلاسة سرده وقع بين أنياب تلك الآفة.
النص ابتدأ حتمًا عند " وُلدت مختلفة.."، وابتدأ تفضليًا عند " نظرن لها بتعجب.." .
وعند تعمقنا قراءةً في المتن نتوقف عند ثلاث مفاصل
الأول..تلك الخصلة اللامعة....كشف المستور
الثاني.. أنير غرتك....تأكيد أنها شعرة
الثالث.. المصفف بعناية.. تأكيد المؤكد.
والقص القصير أيضًا لا يحتمل التأكيد وتأكيد المؤكد، وما تم ذلك إلا لداعي البلاغة اللغوية، وروتق السردية، وإن كان على حساب التقنية القصية.
نعود للنص وتقييمه وفقًا لمعايير القص، فنجد أن القاصة برعت كعادتها في التميز بأسلوبها السردي الناعم الهادئ الرومانسي، والمتميز دومًا بخلفية شاعرية ولوحة تشكيلية واضحة الألوان، وفكرة مبتكرة طازجة، وحبكة محكمة، فالقاصة ممن يجيدون الأمساك بالخيط السردي بقوة، وعن المعالجة فالترواح السردي بين ثلاث أصوات ..الراوي، ضمير المتكلم، وضمير المخاطب، أضفى على النص حياة وصخب معاش، تعامل النص مع ثلاث شخصيات متوازية رئيسة..الأخوات، الابنة، الأم..لكل منهن خطه الدرامي المنعقد بإحكام..الأخوات...تعجب / نفور / حسد / شماتة
الابنة.. تودد / احساس بالذات / غرور / اقتلاع
الأم...مراعاة/ صمت تفكر / انحياز للغالبية.
ولن أتجاوز إن قارنت بين ما بين يدي الآن، وبين المنهاج القصي الذي اتبعه تشيخوف في معظم أقاصيصه، الخطين المتوازيين( صاعد / هابط )، وأرى في هذا النص ليس فقط خطين دراميين بل ثلاثة كما سبق وأوضحت.
أما عن الفكرة...الاختلاف عامة، فالنص في ظاهرة يعالج قضية اختلاف مادية بأنسنة الشعر، والتضاد الناشئ بين اللونين الأسود والأبيض، وفي مستواه الثاني يعالج الاختلاف الفكري، وضرورة قبول الرأي الآخر، وفي مستواه الثالث يعالج قضية الكراهية العنصرية ( الأبيض والأسود )، والخوف والحذر الفطري من كل ما هو مختلف عنا، ومحاولة التخلص منه، والانحياز الأعمى للشعبوية وإن كانت خطأ بين.
وفي تناص غير متخفي..يطل علينا
يوسف النبي...الشعرة البيضاء
اخوان يوسف...الشعرات السوداء
يعقوب ( أبو يوسف )...الأم
والشعرتين الاخريين...يوسف وأخوه....وإشارة لغلبة الحق.
وإن اختلف مهمة الأم / يعقوب...عن التناص الأصلي.
هنات بسيطة:
يحسدونها...يحسدنها
يتابعونها...يتابعنها
ذهول وخوف..لا تستقيم مع...تشفي وشماتة
والأصوب..فرحة غامرة أو ما شابه.
أما عن كون هذه القصة القصيرة الرائعة ثلاثية، فذلك ل
عنوانها ثلاثي الكلمات
بريق...علم / مكاني
فضي...لون / تعبيري
خاطف.. زمن / حركة.
وشخصياتها الثلاث
الشعرة البيضاء
الشعرات السود
الأم
وخطوطها الدرامية الثلاث
غرور / حسد / اقتلاع
ومستوياتها الدلالية الثلاثة
اختلاف لون
اختلاف فكر
اختلاف اغلبية واقلية.
وثلاثة أصوات
الراوي/ ضمير المتكلم / ضمير المخاطب.
.................محمد البنا ..٣مايو ٢٠٢٠
النص
.......
بريق فضي خاطف
للأديبة إيناس سيد جعيتم بندوة الثلاثاء ٢٠٢٠/٥/٥)

ولدن جميعهن من رحمٍ واحد، تبدأ حياتُهن القصيرةُ باحتفاليةِ الميلادِ وتنتهي...بالسقوطِ في عالمِ النسيان، على جزيرةٍ تحكمُها نون النسوةِ يعشن ترعاهن الأم، ينسجمن في تناغمٍ ومن تتشابك وتقع بالمشاكلِ منهن تتكفلُ بها الأمُ..
كن جميعًا ينتظرن الوليداتِ بشغفٍ حتى أتت لحظةُ ميلادِها، ولدت مختلفة... تشعُ بضوءٍ فضيٍ براقٍ تحت أشعةِ الشمس، نظرن لها بتعجب، دائمًا ما تباهين بلونهن الأسودِ الفاحم، وافتخرن به حتى ولدت هي، تبادلن نظراتِ الحيرة، تساءلن
- كيف وُلدت هكذا؟
(ولدتُ مميزةٌ أعرفُ ذلك، أرى نظراتِ الحيرةِ الممزوجةِ بخوفٍ في أعينهن، كلما حاولتُ التقربَ منهن تفرقن وابتعدن، أنا أختكن.. ماذا دهاكن؟!! )
تابعنها بتوترٍ وهي تنمو وتزدادُ طولًا وتألقًا كل يوم، همست بعضهن وقد أشعلت قلوبَهن الغيرةُ:
-هل تعتقدُ أن لونَها وبريقَها الذي يخطفُ الأبصارَ يميزُها؟ أفيقي أختاه أنت غريبةٌ بيننا.
بينما تجنبتها بعضهن خوفًا منها:
-هي لا تشبهُنا، لا تخالطوها.
اختلفت ردودُ أفعالهِن حيالها ولكنهن تجمعن على قرارٍ واحد..
إحساسُها بالرفضِ منهُن أصابها في البدايةِ بالحيرة، ما اختارت لونَها ولا تعرف سببَ اختلافِها، كل ما أرادته أن تختلطَ بهن وتأخدُ مكانَها في تلك الخصلةِ اللامعة، كلما حاولت التوددَ لهن زدنها جفاء، تسلل الغضبُ لقلبِها وهي تعجزُ عن تقبلِ رفضهن لها...
-إذا كنتن لا تريدونني فشاهدوني جيدًا وأنا أخطفُ الأبصارَ بلوني الرائع.
(أماهُ انا ابنتك، أنا المميزة، هن يرفضونني، انظري الي وأنا أنيرُ غرتك).
لشدةُ دهشتِها ودهشتهن كن جميعًا كمن توقف به الزمن ..
يدُ الأمِ تمتدُ لتحتضنَها ... يحسدُونها... تنام بفخرٍ بين إصبعيها ... ذهولٌ وخوفٌ وهن يتابعونها وقد اقتُلعَت من منبتِها، شماتةٌ وتشفي بها...
قررن الاحتفالَ بتفضيلِ الأمِ لهن وإقصائها عن عالمهن المصفف دائما بعناية، في غمرةِ احتفالِهن لم يلحظن أختيها الفضيتين اللتين نبتتا مكانها.
ايناس سيد جعيتم

L’image contient peut-être : 1 personne
L’image contient peut-être : une personne ou plus et gros plan

الجمعة، 16 أكتوبر 2020

دراسة نقدية / بقلم الناقدة الفذة د . رشا السيد أحمد / الرمزية في الشعر التعبيري السردي والمرمز الصوفي عند الشاعر فراس الوائلي

 دراسة نقدية / بقلم الناقدة الفذة د . رشا السيد أحمد / الرمزية في الشعر التعبيري السردي والمرمز الصوفي عند الشاعر فراس الوائلي

دراسة نقدية
الرمزية في الشعر التعبيري السردي
والمرمز الصوفي عند الشاعر فراس الوائلي
بقلم د . رشا السيد أحمد
بعد هذا السير الطويل في الشعر السردي التعبيري منذ أطلقناه في عام 2015م , ما زلنا نبحر في مكوناته ونبحر داخله وننظر في سمائه نستشف من نجوم مفرداته العبقة ونشرب من كأس التجلي في محاريبه كؤوس تثمل القلب شعرا ونبحث في أجزائه نطالع عبقرية التكوين وعمق اللون وفرادة التكشيل ورمزية اللون ومفردات التشكيل في هذا اللون الأدبي الذي عانق الفن التشكيلي بعمق منذ ولادته قديما وحديثا
أبحر اليوم في لوحة شعرية للشاعر العراقي فراس الوائلي في قصيدة قصيرة لكنها مملوءة بالرمزية التعبيرية الشعرية , ومكثقة بدلالات تجعل القارىء يتأمل المعنى والمرمز الذي رمى إليه في قصيدته
نص القصيدة السردية التعبيرية للشاعرأ . فراس الوائلي من العراق الشقيق
قمر الأحلام
لهف نجمي جالس تحت شلال الغرام فيما اليوغا المحرمة في عينيك بداية الحب أما سريان همسي في نبضك الشهي فهو أُسطورة المعابد في جزر الآلِهة وما زال الوطواط يحوم حول الحروف وما زال زهر الكرز قلادة الشمس وأما الغيث المجنون يرقب شوق الحقول بتأني و ينأى بدلال قمر الأحلام أناني كحبي يظل يهرول بين الروح والذاكرة بشوق يعلم الخلود سحر الأنوثة التي تنثها هي داخلي بينما ينثر رحيق الورد منها على أنفاس السماء فيما تصير الأواقيت بين يدي قصائد ماء وبخور معها أسمو للعلا.
1 ـ أهمية مرمز العنوان
تتميز القصيدة هنا كأنها حبة ماس صغيرة تلتمع في وجوهها من كل الجهات , ويبرق المعنى داخل النفس برقيق دلالته الشعرية فالنص أتخذ له عنوانا ( قمر الأحلام )
كناية عن أحلامه الجميلة والتي يزينها قمر ينير دواخله برهيف النور وذاك يرمز
لشفافيته الناصعة التي تنث داخلنا رقة الرمز فلكل هذه الأحلام داخله قمر يتوقد بضيائه الرهف . العنوان هو فاتحة أي نص أدبي وعليه أن يختصر داخل القصيدة بمرمز دال بعمق
ندخل النص ونفككه يقول
" لهف نجمي
جالس تحت شلال الغرام
فيما اليوغا المحرمة في عينيك بداية الحب
و سريان همسي في نبضك الشهي
هو أُسطورة المعابد في جزر الآلِهة "
ترمز بلهفه العالي بالنجم البعيد وكأن لهفه بحجم نجم وبرقته وقد طاول السماء وسكنه فيما راح هذا النجم يترقب غرامه ويسكن تحت شاله كم هي رقيقة الرمزية والصورة داخل اللوحة , وكأن للغرام شلال كيفما هف و تحرك يهف قلبه معه
يتابع رسم الجزء الآخر من اللوحة فعيّنيَ المحبوبة مريحة جدا كم هي دروس اليوغا الرياضية والروحية لكنها عليه محرمة , أي أنه حبها ليس له لكنه بها متيم
الرمز هنا حديث وطازج وقوي . فعينيها رغم أنها تحمل السكينة والراحة لكنها عليه محرمة
أما سريان همسه لقلبها فهي كأساطير مقدسة داخل معبد بكل جلاله وعظمته وسكينته وسلامه ليعبر الشاعر عن عمقه وما يحمله من رقة الشعور .. فكأن هذا البوح أسطورة لا تنتهي من العشق والسكينة والإرتياح جللها قدسية وجلال روحي صرف أرتقى للعرفانية العميقة
ـ أهمية الرمز التعبيري داخل القصيدة
2ـ (أهمية الرمز داخل القصيدة التعبيرية تتأتى من كونها عنصر هام جدا في الشعر التعبيري السردي كونه يختصر الكثير من المعنى داخله كرموز التشكيل الفني في اللوحات الفنية )
من المهم جدا أن يعرف الشاعر كيف يرسم هذه المساحة الشعورية ويترمزه بكلمات قليلة تختصر داخلها الكثير وتشير إشارة عميقة لبلاغة المجاز , فهو هنا يرسم بالكلمات لوحة تتباثق من أعماق النفس , من مساحة اللاشعور التي تنتض كضربات سريعة لفرشاة تحدد ملامح أجزاء اللوحة بقوة الفكرة والتشكيل واللون وبراعة القلب في التصوير الشعري ليوصل داخله قدر ما يستطيع
يتابع الشاعر
( وما زال الوطواط يحوم حول الحروف)
كناية عن روح سوداء تراقب الأدب وهذا الوطواط يحمل كل صفات الوطاويط من التنقل سرا وليلا وترقب الشعر والأدب وما يجري داخله و لا بد له غاية في مراقبته هذه وهذا الغاية حتما ليست لصالح الأدب وأصحابه . وربما كناية لشيء لا يحبه في الوضع الخارجي في الوطن
يتابع قائلا ...
" وما زال زهر الكرز قلادة الشمس
وأما الغيث المجنون يرقب شوق الحقول
بتأني
و ينأى بدلال قمر الأحلام
أناني كحبي يظل يهرول بين الروح والذاكرة "
ويترمز للجمال والصفاء لتلك المحبوبة فهي كالشمس التي يزين جيدها زهر اللوز بكل رقته وجماله وبكل نورها المشع الذي يتحف المسافات بجمال الضياء كلما أطلت الكون , وكأنها شمس تنير قلبه دون نهاية بكل ألقها وبراءتها وحسنها ورقتها
الصورة الرمزية هنا كانت رائعة بكل ما فيها وبكل ما رمزت إليه فقد استعار الشمس لتنير المرمز برقة المعنى وضيائه, فدائما ما نرى اللوحات التي ترسم الشمس أو القمر برقة تحملنا على أجنحتها لأركان قصية من الجمال الشعري والفني , أنه الوجود الحي .
3 ـ قوة المرمز في الشعرية التعبيرية
ـ المرمز هنا قوي ودلالته تعبيرية تصويرية لحبه بكل ألوانه ورقته الإنطباعية التي مازجت التعبيرية بكل رقة في النص
ـ" ففي التعبيرية مهم جدا أن يكون " الرمز" يتكلم عن نفسه بقوة ويشعرنا بالقوة الروحية والتصويرية للفنان و للشاعر " .
فإذا لم يكن هو فنانا فهو شاعر يرسم بوحي روحه بالحروف والكلمات ما يعتريه لوحة متكاملة , وأما غيث الشوق من المحبوبة , فهو لا يرحم
فهو يرقب حقول اللهفة والشوق للشاعر والشاعر ينتظر أن يتأتى منها جمال الغيث في ساعة يرتجيها ولكنه لا يأتي , وكأنه يرقب وجع الشاعر في القلب بكل برود
يقول أ . فراس الوائلي
" أناني كحبي يظل يهرول بين الروح والذاكرة بشوق يعلم الخلود سحر الأنوثة التي تنثها هي داخلي "
نعم هذا الغيث أناني لا يحب غير نفسه فهو لا يسقى العطاش يا لرقة المرمز وجماله وسعة معناه
4_ العمق الصوفي عند الأستاذ فراس الوائلي
لو نظرنا للمعنى , ليس فقط أناني هذا الغيث بل يظل يهرول بين الروح والذاكرة يقرأ حكايته الجميلة وقصصه الأنيقة ويلمس الروح برقته , وتضل الروح تترقب هطوله وكأنه يعلم الخلود والأبدية جمال أنوثة المحبوبة ورقتها و تجليها داخله , وهو يرسمها في قلبه دون أن يمل من هذا الذهاب بين الروح والذاكرة
صورة رهفة للغاية ومرمز بالنظر إلى عمق المعنى نراه أخذ عمق روحي صوفي يرتسم بالقلب بسلاسة دون إتخاذ لغة شعرية مقعرة في كلماتها.
ـ " فالتعبيرية العربية التي أكتست بالرومانسية تعشق جمال المرمز مع شفافيته الرهفة بعيدا عن تقعر اللغة الصعبة ".
5-جمال المرمز في الخاتمة
نبحر لختام النص عند الشاعر فراس الوائلي حيث يختم قصيدته فيقول
" بينما يُنثر رحيق الورد منها على أنفاس السماء فيما تصير الأواقيت بين يدي قصائد ماء وبخور معها أسمو للعلا "
وكأنها شجرة ورد تنثر من أنفاسها وهي بين يديه رحيقاً آخاذا فتصير رائحة السماء كلها عطرة بعطرها , يا لجمال المعنى في جملته الطويلة التي جاءت كرد وجواب , فرحيقها الذي بثته من شدة نقائها وصفاء سريرتها ولشدة حبه لها بسببه تصير الأواقيت بين يديه كلها قصائد سهلة تنبع منها الحياة كما ينابيع الماء التي تتحف الحياة بجمالها فمعها تصير الأوقات أواقيتا قصيرة و حياة عذبة ترقى به لسدة السماء وأي جمال أرقى من هذا التجلي
فما الشعر عند العارف إلا للقاء المطلق وهو يعبر بروح الحبيبة داخله منتشيا حبا وشعرا وسكينة وتجلي وعرفانا
أخيرا
في القصيدة التعبيرية كأي قصيدة أخرى على الخاتمة أن تتخذ لها صفة تمنح القصيدة قفلة تريح النفس وتختم بمجازات ومرمزات تختصر داخل الشاعر وفورته الشعرية وهي ترقى به لفضاء المطلق ليحلق عاليا منتشيا بجمال شعريته التي تفور من معامل اللاشعور داخله لحظة الانبثاق الشعري
نص رقراق سلسل عميق ومرمزاته شكلت لوحة فاضت بالشعرية والنور والتحليق في سياق التعبيرية الرومانسية الجميلة .

الجمعة، 2 أكتوبر 2020

البنيوية وحنين فقد ماضيه قراءة في نص بقلم / محمد البنا لقصة " حنين فقد ذاكرته" للمبدعة السودانية / مي عبده عزت

 البنيوية وحنين فقد ماضيه

قراءة في نص
بقلم / محمد البنا
لقصة " حنين فقد ذاكرته"
للمبدعة السودانية / مي عبده عزت
.........
البنيوية مدرسة نقدية بدأت كمدرسة غير معلنة على يد الشكلانيين الروس في بدايات القرن العشرين، ويعد فرديناند دي سوسير الأب الحقيقي لها،ثم عمل على تطويرها تودروف ورولان بارت الذي اسهم بشكل كبير في ارتدائها حلة جمالية متأثرًا بفكر المفكر الشهير بنديتو كروتشي، ونظريته عن علم الجمال.
البنيوية مدرسة تهتم ببنية النص من داخله، ولا تلتفت للعوامل الخارجية مثل التاريخ والمجتمع والدين وخلافه.
كانت هذه توطئة تعريفية تمهد لمدخلنا إلى دراسة النص الذي بين يدينا.
بادئ ذي بدء...هذا نصٌ قرأته قبل نشره- دكتور مي هى إحدى المتتلمذات على يدي- وأثنيت عليه وطالبتها بنشره، ومن ثم نسيته إلى حين عودتي إليه ناقدًا بعد حين.
لماذا أقول هذا؟ وهو تقريبا يعرفه الكثيرون!... في الحقيقة عندما عدت للنص كناقد تفاجأت حد الدهشة الصادمة، صدمة رهيبة ولكنها الصدمة التي يقشعر لها جسدك..ترى لم ؟..بعيدًا عن فكرة النص وطريقة معالجتها، وأسلوب مي المتفرد ( تعدد الضمائر الساردة )، بعيدًا عن كل ما ذكرته- وقد ذكرته قبلا في كل دراساتي لنصوص مي- رأيت أمامي ثماني فقرات مقسمة بفواصل واضحة، والثماني فقرات مقسمة إلى خمس فقرات أساسية يربط بين كل فقرتين أساسيتين فقرة ربط ثانوية...تخيلوا معي أسورة ذهبية من خمس فصوص كبيرة وبينهم ثلاث فصوص فضية صغيرة، يلضمهم معًا خيط معدني طيّع، الا وهو الفكرة، وما الفكرة هنا إلا الإرادة، وما الأداة إلا صالح...نعم صالح ..صالح الحبيب هو العمود الرأسي الذي أقامت عليه الكاتبة دعائم نصها، وأبتنت حوله بيتًا بغرفه ونوافذه وأبوابه...كانت قوية عندما قررت واختارت صالحا ونأت عن الأحبة والأهل لأجله، وكانت قوية عندما اختارت وقررت دفع صالح بعيدًا عن معاناتها رحمة به من التعايش مع مأساتها ( الورم الخبيث ) او التأزم النفسي لفقدها وهى بين ذراعيه، فخلعت خاتمها.
هى عاشت من أجل صالح، واختارت أن تموت بعيدا عن صالح ومن أجله.
ولكل قرار ثمن..هكذا خبرتنا الحياة، وكان الثمن باهظًا..حياة، ويالها من حياة!!..حياة بلا ذاكرة، لتظهر قوة الارادة من جديد..فلتكن بدايات حياة جديدة، يشدها الى الماضي المفقود والمفتقد برواز لصورة جامعة( ليس فيها صالح )...أليس ذلك ثمنًا باهظا؟!.
والآن عودة لما أدهشني، فما أدهشني فعلا هو أنني لمحت قوة أسلوب كنانة عيسى( اللغة الرصينة والمعالجة )(ماهى إلا مغامرة....ولربما تكون الأخيرة )/ ولمحت وجع أسلوب صديقة صديق علي( التردد الأولي، شجن المفارقة للاهل، حنين ما بعد فقدان الذاكرة)/ ولمحت براعة أمل البنا ( تراكيب الجمل )(تلك الابتسامة المصلوبة ....وغيرها من جمل تعددت)/ولمحت حنكة ومهارة ايناس جعيتم ( الانسياب السردي )(الانتقال السهل بين الجمل والفقرات من البدء حتى النهاية)/...كل هذا انصهر بعفوية في متن سردي ينتمي وبما لا يقبل الشك في إبداع واحد..ابدعته مي عبده عزت، وفي نص واحد عنونته " حنين فقد ماضيه"
حين ننظر لكيفية البناء السردي الذي انتهجته القاصة، لطرح أقصوصتها هذه نجدها اعتمدت مسارين أحدهما أفقي ويمثله التتابع المشهدي وفواصله الثانوية، والآخر رأسي ويمثله تصاعد الحالة الوجدانية عند بطلة القصة، واستطاعت الكاتبة بمهارة أن توثق الرابط بين كلا المسارين، بابتداعها الشكل البنائي سالف الذكر، حيث اختفى العامل الزمني المباشر، وتخفى خلاف السطور، اللهم إلا فيما سقط سهوا مثل ( بعد، قبل).
كما كان للفقرات الثانوية تأثيرها الجمالي - رغم عدم أهميتها لتوثيق الفكرة- على متعة القراءة، وبخاصة الفقرة الرائعة ( حديث الممرضة والطبيب ) فقد تكفلت الكلمات الحوارية - رغم كثافتها الشديدة- بخلق مشهد ينطق حياة( غرفة في مستشفى ).
هنيئا لنا بهذا النص الشجي المبدع، وهنيئا لك يا مي بهذا الإبداع الذاهل المذهل، وهنيئا لكن أنتن - صديقة وأمل وكنانة وايناس - بتغلغل ماتتميزون به مؤثرا في ذائقة كاتبة اراها انضمت وبجدارة إلى قمة تتبوؤنها عن جدارة أيضا.
محمد البنا..٢٩سبتمبر٢٠٢٠
.............
النص
........
#حنين_فقد_ماضيه..

ترددت كثيراً قبل أن أوقع على هذا الأقرار،
فلا أستطيع الأختيار مابين الموت، والمجازفة بما تبقى من الحياة!!
صعب هو القرار، حين تتعلق عيناك بالسماء، ترفرف بجناحي الأمل لتلامس النجوم، لكن تخاف من السقوط في تلك الحفرة المظلمة الرطبة، دون أن يتسنى لك الوداع.
دعكِ!!
ماهي إلا مغامرة أخرى، من مغامرات حياتك. أسوف تبخلين على نفسك بها؟!
لربما تكون الأخيرة!!
🌼🌼🌼🌼🌼🌼
وضبت حقيبتها الصغيرة، لم تنس زجاجة عطرها الرخيصة، كما ذلك البرواز الخشبي الذي يضم بين جنباته صور جميع أحباءها، ولم تنس أيضا شالها الصوفي الذي أهداه لها صالح، مازال عبق أنفاسه ودخانة باقٍ، منذ ذلك الشتاء الماطر.
🌼🌼🌼🌼🌼🌼
كيف وصلت إلى هنا، بكل هذا الشحوب!!
لا أحد يعلم، حتى هي.
ما زال كفها ممسكاً بمقبض الباب، يرتجف.
باغتتها الممرضة، فتحته لها، أدخلتها، ثم انتشلت حقيبتها من بين يديها، ورتبت ما فيها في الخزانة المقابلة لفراشها، ووضعت لها ذلك البرواز على المنضدة.

صعقتها بذلك السؤال!!
هل أنت خائفة؟
أجابتها بإيماءة من كتفيها!!
لا تخافي يا سيدتي، بل ابتسمي، سيكون أمهر الأطباء في العالم حولك، يعتنون بك.
🌼🌼🌼🌼🌼🌼
ظلت ترقب تلك الصورة حتى غفت عينيها.
أشرقت شمس اليوم المرتقب، أيقظتها ذات الممرضة ب: صباح الخير يا أجمل سيدة في الدنيا، استعدي، لحظات وسيتم نقلك لغرفة الجراحة.
ثم ظهر الطبيب من بعدها، القى التحية وقال لها: هلم بنا لنخلصك من ذاك اللعين.
توضأت، ركعت، طلبت العفو من الجميع،
ثم ابتسمت واستكانت في النقالة الطبية بكل استسلام.
لا سبيل للتراجع.
وحدها عرفت أن رغبتها في البقاء قادرة على ابتلاع ذلك الأمل الضئيل جداً في نجاح تلك الجراحة.
🌼🌼🌼🌼🌼🌼

رغم تلك الابتسامة المصلوبة على وجهها المتجمد إلا أن لا أحد ينتظرها بالخارج.
أليست غريبة يا دكتور!!
أجاب مساعدته، لنسألها حين تفيق..
🌼🌼🌼🌼🌼🌼
كانت تسترق السمع من حولهم، ما أجمل أن يكون للإنسان جناحان.
تأرجحت مابين السماء، وحقيقة أنها متجمدة في فراغ من اللاوعي، تعبث كطفلة في وجوه كل الناس الذين التقتهم يوماً، وصادقاهم أو أحبتهم، خصوصا بعد أن هجرت عائلتها فداء لصالح، الذي علمها كيف تلامس دفء الشمس، قبلت كل الأزهار التي أهداها لها، على مدار عشر سنوات، قبل أن تخلع محبسه، متحججة بأنها ما عادت ترغب في مشاركة أحد لوسادتها.
حتي صديقتها المقربة، اخبرتها بأنها ستكون في عطلة، ولن تستقبل المكالمات الهاتفية.
ابتعدت برأسها المثقل بالورم، حيث لا يعرفها أحد، تخلت عنهم مقابل الاحتفاظ بكبرياءها وصمودها.
فقط أهدت الجميع أحضاناً عميقة، عبر حلم جميل، حتى بلغت من التأثر منتهاه.

🌼🌼🌼🌼🌼🌼
استغرقت الجراحة لإزالة ذلك الورم من رأسها قرابة الثمان ساعات، كان قريبا جداً من مخزون ذاكرتها، لكن!!

دكتور!!
دكتور!!
حركة تزيد في بؤبؤ عينيها ..
دمعة هاربة من بين جفنيها ..
🌼🌼🌼🌼🌼🌼

استيقظت، بدون الورم الذي هضم ذاكرتها بداخل أحشائه.
ظلت تتسائل؟؟
من أنا؟؟
تلتفت حولها، علها تتعرف على شيء من الماضي، لا شيء سوى فراغ معتم بداخل رأسها، فتقع بنظرها على ذلك البرواز يضيء، يزيد من نبضاتها ثائراً على وحدتها.
أ أنتم ذلك الماضي؟
كيف سمحت لكل بسمة، كل قبلة، كل لحظة قضيناها معاً أن تضيع؟!
أ أحببتموني بهذا القدر الذي يجعل قلبي متعلقاً بكم، يا من لا أتذكر عنكم شيئا؟!
حفظت ملامحهم جميعاً.
قبضت بكفها على صدرها.
ودعت ذلك البرواز، تركته خلفها، ثم استعادت أهليتها مع البدايات الجديدة، لكن ظلت تلك العيون تناديها من داخل البرواز الخشبي وتأسرها، بأصفادٍ من حنين.

مي عبدالحميد
السودان...............٢٨سبتمبر٢٠٢٠

L’image contient peut-être : 1 personne, gros plan
L’image contient peut-être : 2 personnes, gros plan